الطريق- إياد الجعفري
تميّز العام 2022 في سوريا، بمحنة نوعيّة طالت قُطبَين في مجتمع الأعمال السوري المشوّه والوليد بعد الحرب. لكنها انتهت بتتويجٍ جديد لهذين القطبين، في وضعية أفضل من تلك التي كانا عليها، قبل المحنة.
فقد اكتنف الغموض مصير إمبراطورية الأشقاء قاطرجي، خلال ربيع وصيف العام الحالي. قبل أن يكشف الخريف عن صعود جديد لهذه العائلة، عنوانه شراكة "مقوننة"، وغير مسبوقة، مع "الدولة"، في توزيع وبيع المشتقات النفطية، بالسوق السورية.
القطب الآخر الذي مرّ بمحنة عصيبة خلال العام الحالي، كان خضر علي طاهر. الملقب بـ "أبو علي خضر". والذي كثرت الشائعات حول هروبه أو اعتقاله أو إخفائه قسرياً، خلال ربيع العام الجاري. وبالفعل، اختفت أخبار "أمير المعابر"، لأشهر، قبل أن يبرز مجدداً، وبقوة أكبر، في نهايات الصيف، ومطلع الخريف. الصعود الجديد لـ "أبو علي خضر"، ترافق مع ازدياد سطوته المُؤيّدة بدعم واضح من النظام، بصورة أهّلته لحمل كل مقومات وصف "الحوت".
إذ لم تعد سطوة "أبو علي خضر"، متعلقة بقطاع ترفيق البضائع عبر نقاط التفتيش، من خلال شركة "القلعة" الأمنية، العائدة له. كما أن عنوان إمبراطوريته الاستثمارية لم يعد محصوراً في شركة "إيما تيل"، التي ابتلعت سوق تجارة وبيع الهواتف الذكية في سوريا، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وقد تجاوز الرجل قطاع الإعلان عبر شركته "إيلا ميديا"، التي تدير أكبر شبكة إعلانية في سوريا. فخريف العام الجاري كشف عن أن الرجل يعمل بشكل حثيث على مدّ سطوته لتطال سوق الغذائيات، إنتاجاً واستيراداً، وبنفس النهج التشبيحي، الذي بدأ به انطلاقته، كمتعهدٍ لمرور البضائع عبر المعابر الفاصلة بين مناطق النفوذ المختلفة في سوريا، خلال السنوات التي تلت العام 2011.
وعبر "أيقونته" الجديدة، شركة "ميرا فود"، يحاول "أبو علي خضر"، احتكار كل ما يتم استيراده من الغذائيات. فهو ينفرد الآن بتوريد وتجارة المشروبات الكحولية وأنواع من العصائر ومشروبات الطاقة والمياه المعدنية، وأصناف من الدخان. قبل أن ينتقل إلى مرحلة أخطر، عنوانها، محاولة احتكار استيراد سلع غذائية أساسية.
وقد نقلت مصادر محلية –أبرزها موقع "صوت العاصمة" المعارض- في الأسابيع الأخيرة، معطيات عن أزمتَين طالتا، حليب الأطفال والشاي، إذ شح المعروض منهما في السوق، قبل أن يتضح لاحقاً أن الأزمتين ارتبطتا بضغوط من جانب "أبو علي خضر"، لتسويق ماركات من هاتين المادتين، قام باستيرادهما. وقد ضغط على منافسيه من مستوردي المادتين، لإيقاف شحناتهم، في الفترة ذاتها.
ووفق المصادر ذاتها، تعمل شركة "ميرا فود" على طرح مواد العدس والبرغل والأرز والسكر، والمعلبات (مرتديلا، تونة، سردين)، بالتزامن مع تقليص النظام دعمه للمواد الغذائية الأساسية، واختفاء بعض تلك السلع من الأسواق.
ولا ينوي "أبو علي خضر"، التوقف عند احتكار استيراد كل ما يمكن استيراده من الخارج، فقط. بل يعتزم الدخول بقوة إلى قطاع الصناعات الغذائية. إذ تقول المصادر المحلية إن الرجل استولى على شركة "ميلك مان"، التي يعود جزء من ملكيتها لابن خالة الأسد، رامي مخلوف.
سطوة "أبو علي خضر"، والنَفَس التشبيحي الذي يصبغ نهجه في العمل، ليس جديداً. ففي عام 2019، حصلت مفارقة أثارت سخرية السوريين، إذ أصدر وزير الداخلية بحكومة النظام، محمد رحمون، قراراً منع فيه الوحدات الشرطية من التعامل مع "خضر"، أو استقباله، أو الاتصال به بأي شكلٍ كان. أما موضع السخرية، فهو أن وزير الداخلية ظهر في قراره هذا، بموضع العاجز عن إلقاء القبض على "رجل أعمال"، يوحي القرار بأنه يقوم بنشاطات غير قانونية. وقد وصلت مسببات "السخرية" إلى أقصاها، بعد أيام، حينما اضطر وزير الداخلية للتراجع عن قراره المشار إليه.
لكن، في نيسان/أبريل الفائت، ضجت دمشق بأنباء اعتقال مقرّبين من "أبو علي خضر". وتضاربت الروايات حول مصير الرجل، بين أولى تحدثت عن هروبه برفقة 3 مليارات دولار إلى خارج البلاد، وبين ثانية قالت إنه وُضع قيد الإقامة الجبرية، وبين ثالثة أشارت إلى إخفائه في لبنان، بعد أن طالبت روسيا بكتلة مالية ضخمة تعود له، من منطلق أن حقيقة مُلكية تلك الكتلة المالية، تعود لرأس النظام وشقيقه، وموسكو تريد سداد جانب من الديون المترتبة على النظام، من خلالها.
في الأشهر التالية لـ نيسان/أبريل، خفت الحديث عن "أبو علي خضر"، وغاب اسمه عن الساحة تماماً، وسط غموض حول مصيره. وكانت هناك قناعة لدى شريحة واسعة من المراقبين، أن إمبراطورية الرجل آلت إلى ما آلت إليه إمبراطورية "رامي مخلوف"، قبل نحو سنتين. لكن "خضر"، برز مجدداً منذ نهايات الصيف الفائت، بصورة لا يمكن فهمها إلا أنها نتاج ترتيب جديد لعلاقة الرجل، مع رأس النظام وشقيقه.
فبدايات "أبو علي خضر"، بائع المحروقات أو بائع الدجاج، أو سائق الميكروباص.. إلخ، الذي وفَدَ على قطاع الأعمال من خارجه، وتحوّل إلى واحدٍ من أبرز حيتانه، دون أي عامل قوة خاص به، تؤكد أنه مجرد واجهة، خلافاً للأشقاء قاطرجي، الذي يستندون إلى علاقات خارجية مع الروس، وإلى علاقات عشائرية قوية في الشمال والمنطقة الشرقية.
الجديد، في تحوّل "أبو علي خضر" الأخير، أنه لم يعد فقط، أحد الشخصيات السبعين، من "رجال الأعمال" السوريين، الذين يتخفى وراءهم الأسد وشقيقه، فقط. بل أصبح أبرز هؤلاء الرجال على الإطلاق، بجوار الأشقاء قاطرجي. وفيما كان "سامر فوز"، يوصف في سنوات قليلة سابقة، بـ "رامي مخلوف" الجديد، قبل أن يخفت نجمه بصورة ملحوظة في العام الجاري، يبدو جلياً أن الأسد وشقيقه اختارا، "أبو علي خضر"، ليحل محل ابن خالتهما، لكن مع فارق نوعي، يتمثل بسيطرة كبيرة على شخصية تنحدر من خلفية مهمشة، ولا تملك أي ركيزة خاصة بها، بحيث يمكن حذفها من المشهد، حالما يريد مُشغلوها ذلك.