الطريق- إياد الجعفري
لماذا قد يهتم سوريّ بطبيعة الحكومة التي سيشكلها بنيامين نتنياهو؟ حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، والأشد تطرفاً في قراراتها! قد يثير ذلك قلق شريحة واسعة من اللبنانيين مثلاً. وربما بعض الحكومات الخليجية. وهو دون شك أمر مرعب بالنسبة للفلسطينيين في الداخل، بصورة خاصة. لكن بالنسبة للسوريين، ما الذي قد تفعله حكومة من هذه الطِينة؟ تشن حرباً على إيران في سوريا! تلك الحرب دائرة بالفعل منذ أكثر من خمس سنوات. والقيود التي تحكم حرية الحركة الإسرائيلية في الأجواء السورية، ما تزال في يدِ موسكو، القادرة على عرقلتها بصورة كبيرة. ما أقصى الأمور تطرفاً التي يمكن لحكومة إسرائيلية أن تذهب إليها، وقد تثير خشية السوريين؟ أن تشن إسرائيل حرباً على المنشآت الإيرانية قبل أن تختبر طهران قنبلتها النووية الأولى! قد يكون ذلك خبراً مفرحاً بالنسبة لشريحة واسعة من السوريين، على مبدأ "ضرب الظالمين بالظالمين". حتى على ضفة الموالاة، قد يكون من المفرح للكثيرين تراجع السطوة الإيرانية في سوريا، تلك التي عرقلت كل مساعي الانفتاح العربي والغربي على نظام الأسد، وأجهضت سيناريوهات إعادة تأهيله.
فحربٌ إسرائيلية – إيرانية مباشرة، قد تشعل لبنان، وقد تهدد بإشعال جبهات في الخليج، في أقصى الحدود. لكنها لن تؤدي إلى جديد نوعيّ على الجبهة السورية المشتعلة أساساً. لذلك، يمكن تفهم هذه اللامبالاة في أوساط السوريين، المتبدية جلياً عبر تفاعلاتهم في وسائل التواصل، حيال ذاك الفزع الذي أطلقه مراقبون عرب بعيد الفوز الاستثنائي لـ بنيامين نتنياهو، برفقة زعماء في اليمين الفاشي المتطرف، بغالبية مقاعد الكنيست.
فهامش المناورة المتاحة لأية حكومة إسرائيلية في المشهد السوري، محدود للغاية. نظراً لأن إسرائيل ذهبت بالفعل إلى حدود قريبة من أقصى ما تستطيع فعله، في سوريا. هل تقصف إسرائيل مثلاً، قصوراً لرأس النظام، بشار الأسد، عقاباً على عدم التجاوب مع مطالبهم بلجم النفوذ الإيراني، كما سبق وهدد مسؤولون إسرائيليون؟! حتى لو حدث ذلك، فلن يتغير الكثير في المشهد السوري. فالجميع بات يعلم أن الأسد لا يستطيع لجم نفوذ طهران، وإلا، لكان فعل ذلك منذ أمد، وأخرج نفسه من العزلة المفروضة عليه، جراء النفوذ الإيراني تحديداً.
في الخطابات الانتخابية، تعهّد نتنياهو بالكثير، مما لا يستطيع فعله. تعهد مثلاً بتمزيق اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، لكنه لم يقل كيف سيتعامل مع الغضبة الأمريكية المرتقبة حينها، بوصف واشنطن هي الوسيط الرئيس في هذا الاتفاق! كذلك هاجم نتنياهو مسؤولي حكومة لابيد – بينت، جراء مواقفهم وتصريحاتهم حيال الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي أنتجت فتوراً هو الأسوأ في العلاقات بين إسرائيل وروسيا. لكنه لم يقل أيضاً، كيف سيعالج هذه المسألة، دون أن يثير غضب واشنطن، في ملف تنظر إليه الأخيرة على أنه أكثر الملفات حساسيةً بالنسبة لها، في الوقت الراهن! وقد يباهي نتنياهو بعلاقته الوطيدة بفلاديمير بوتين، لكنه لا يستطيع أن يوضح كيف يمكن له التغلب على التقارب الاستراتيجي الإيراني – الروسي، الذي ذهب إلى مدىً غير مسبوق، لا يبدو أن من السهل عكسه.
وها قد بدأت المؤشرات الأولية لطبيعة الحكومة الإسرائيلية المرتقبة، تعكس عجز نتنياهو عن الخروج من العباءة الأمريكية. فقد خضع لـ "فيتو" واشنطن على المُتطَرِفَين، إيتمار بن غفير، وبتسلائل سموترتش. إذ لن يكون الرجلان في مواقع وزارية حساسة، كالأمن الداخلي أو الدفاع. وربما يخضع نتنياهو أيضاً، لضغوط واشنطن والنخبة "المعتدلة" في إسرائيل، ويذهب نحو ائتلاف مع خصومه، يائير لابيد، وبيني غانتس.
لذلك، حتى الخائفين من تطرف حكومة نتنياهو، في لبنان وفلسطين وبعض دول الخليج، يمكن لهم أن يهدؤوا الآن، قليلاً. فـ "ملك إسرائيل"، كما يحلو لأنصاره تلقيبه، مقيّدٌ بأصفادٍ أمريكية لا فكاك منها. على غرار "ملك دمشق"، المقيّد بأصفاد إيرانية، لا فكاك منها، أيضاً.