الطريق- فراس علاوي
بعد مرور أكثر من مئتي يوم على انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، من أجل دعم الأقاليم والجماعات الانفصالية الأوكرانية في إقليمي لوغانسك ودونيتسك والمعروفة بالدونباس، لم يكن أكثر المتشائمين من داعمي العملية يتوقع أن تصل العملية لشهرها السادس دون إحراز الكثير من الأهداف المعلن عنها كدعم الانفصاليين ومحاربة "العنصريين الأوكران" حسب الرواية الروسية التي أسمت أتباع الرئيس الأوكراني زيلنسكي/ بالنازيين/ على لسان وزير خارجيتها لافروف.
والرغبة الروسية غير المعلنة بالسيطرة على كييف وإسقاط حكومة زيلنسكي التي تمثل نموذجاً ديموقراطياً يهدد الكيان الروسي الهش والمهدد بربيع روسي مع تنامي الاحتجاجات الروسية على سياسات بوتين الاقتصادية، والتي كانت أحد أسباب محاولات تصدير الأزمة الداخلية الروسية، إذ رغبت حكومة روسيا من خلال تدخلها في أوكرانيا في إكمال النطاق الجغرافي والجيو سياسي الموالي لها، وإيجاد نظام شبيه بأنظمة الشيشان وبيلاروسيا وتركمانستان وغيرها من دول المحيط الروسي.
الدعم الغربي المفاجئ، والذي جاء مختلفاً عن المواقف السابقة من التدخلات الروسية سواء كان في جورجيا أو القرم، زاد من صعوبة التدخل الروسي وأبطأ العمليات العسكرية وزاد من الخسائر التي لحقت بالجيش الروسي في الأرواح والعتاد، على الرغم من سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الروس، وسياسة القضم التي نقل الروس استراتيجيتها من سوريا إلى الدونباس، حيث شارك عدد من الجنرالات الروس الذين قاتلوا في سوريا في الحرب على أوكرانيا.
لم يقتصر الدعم الغربي على المواقف السياسية الداعمة لأوكرانيا وللرئيس زيلنسكي الذي استقبل في أوكرانيا الكثير من زعماء الاتحاد الاوربي ووزراء خارجيتها، وكذلك مشاركته عبر تقنية الاتصال كثيراً من الاجتماعات المتعلقة بأوكرانيا، وإنما أخذ أشكالاً اجتماعية من خلال استقبال اللاجئين الأوكران في الدول الأوربية وتقديم التسهيلات لهم، وتقديم الدعم العسكري واللوجستي والاستشاري وكذلك الاستخباراتي. ولعل الدعم الأخير والمفتوح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، عبر إرسال أسلحة نوعية، خاصة الأسلحة المضادة للدروع والصواريخ المضادة للطائرات، عقدت العمليات العسكرية الروسية وتسببت بتراجع حدة العمليات فيها.
في الثامن من الشهر الجاري وبعد استيعاب الهجوم الروسي، بدأ الجيش الأوكراني الذي تلقى دعماً غربياً من خلال قوافل الأسلحة التي أرسلت إليه، هجوماً معاكساً الغرض منه قطع خطوط الإمداد عن القوات الروسية المتقدمة والسيطرة على مناطق استراتيجية كانت القوات الروسية قد سيطرت عليها في وقت سابق، حيث أعلنت الوحدة 130 في الجيش الأوكراني، يوم الأحد 11 سبتمبر، أن القوات الأوكرانية وصلت إلى الحدود الروسية شمالي مقاطعة خاركيف.
وقالت الوحدة 130 في الجيش الأوكراني:"وصلنا إلى الحدود الدولية مع روسيا في مدينة جوبتوفكا شمالي مقاطعة خاركيف".
وبدأت القوات الأوكرانية تتقدم شرقاً عبر مدن فولوخيف يار، وشيفتشينكوف، متجهة نحو كوبيانسك، وهي مدينة استراتيجية وتعتبر مركزاً رئيساً للسكك الحديدية التي يتم تزويد القوات الروسية من خلالها بالعتاد والذخائر في الجنوب.
كذلك صرّح أوليكسي أريستوفيتش أحد كبار مستشاري الرئيس زيلينسكي، أن "القوات الأوكرانية اخترقت الدفاعات الروسية في عدة نقاط وقطاعات على خط المواجهات بالقرب من مدينة خيرسون في إطار الهجوم المضاد الذي تشنه في الجنوب"
من جهتهم، اعترف المحللون العسكريون الروس بتراجع القوات الروسية، وأكد هذا التراجع ما قاله الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف واصفاً التراجع الروسي بأن "القوات الروسية ارتكبت أخطاء وسأتحدث مع قيادتها في حال لم يتم تدارك ذلك".
هذا التراجع الروسي لابد وأن ينعكس على السياسات الروسية، سواء في الميدان أو في مناطق النفوذ الروسية الأخرى؛ أو في محيطها الإقليمي كما حصل
في استغلال الجيش الأذربيجاني الانخراط الروسي في أوكرانيا، ومهاجمة مواقع في مناطق النزاع مع أرمينيا في ناغورني كارباغ، بالرغم من وجود "قوات سلام روسية" انتشرت بعد التصعيد الذي حدث مؤخراً.
إذاً، فالتراجع الروسي قد ينعكس سلباً على مناطق نفوذها في العالم، لذلك قد نرى تصعيداً روسياً في بعض الملفات من أجل استعادة الهيبة الروسية من جهة ورفع سقف المفاوضات مع الغرب، وبالتالي قد نشاهد خلطاً بهذه الملفات، بما فيها الملف السوري الذي قد يشهد تصعيداً روسياً ما يزال محكوماً حتى اللحظة بتفاهمات مع الحكومة التركية عبر اتفاقات خفض التصعيد.
لكن في حال استمرار الضغط الغربي والتراجع الروسي في أوكرانيا قد نشاهد تصعيداً روسياً في شمال سوريا أو السماح لمليشيات تتبع لروسيا بالتصعيد شرق سوريا من أجل خلط الأوراق في الملف السوري.
الفصل الذي تستخدمه أوربا بين الملفات المختلفة قد يربك التصعيد الروسي ويجعله غير ذي فائدة، لكن من المؤكد بأن أي تراجع روسي في أيٍّ من الملفات التي تنخرط فيها روسيا سيكون له تأثير مباشر على الملف السوري، يصبح هذا التأثير إيجابياً في حال حصول ضغط أوربي أمريكي حقيقي لحل جميع الملفات العالقة مع روسيا بما فيها الملف السوري.