أزمة وكالة "سخنوت" اليهودية في روسيا.. كيف يمكن أن تنعكس في سوريا؟

الطريق- إياد الجعفري 

لا يبدو أن توصيف صحيفة "واشنطن بوست"، لدور وكالة "سخنوت" لهجرة اليهود في روسيا، بـ "الرمزي"، دقيقاً. بدليل التحرك المكثّف للسلطات الإسرائيلية، لوقف المسار الروسي "القضائي" باتجاه إغلاق الوكالة، وصولاً إلى التلويح بانضمام إسرائيل إلى العقوبات الغربية ضد روسيا، وبإجراءات أخرى، مضادة. كما أن الرهان على صعود بنيامين نتنياهو، مرة أخرى، إلى سدة رئاسة الحكومة، في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، بوصفه الأقدر على حل التأزم الروسي – الإسرائيلي، وفق الصحيفة الأمريكية ذاتها، يبدو رهاناً مُبالغاً فيه، نظراً لتعقّد ملفات الخلاف بين الطرفين. لكن، في الوقت نفسه، من غير المتوقع أن يتصاعد هذا التوتر وصولاً إلى حافة القطيعة، كما ألمح محلل عبر صحيفة "فزغلياد" الروسية، مؤخراً. فالتصعيد الدبلوماسي بين الطرفين، الدائر الآن، قد يكون على الأرجح، مقدمةً للتفاوض وإعادة ترتيب العلاقة في عددٍ من الملفات. أحد تلك الملفات، يتعلّق ببنك أهداف الضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا. لكنه لن يكون الملف الوحيد الذي سيخضع للتفاوض. 

فالتقليل من قيمة ملف المنظمات اليهودية، بالنسبة لصانع القرار في موسكو، واعتباره ورقة ضغط فقط، يتناقض مع عددٍ من المعطيات. فالسلطات الروسية بدأت تتحرك ضد وكالة "سخنوت"، قبل أكثر من سنة، من الآن. مما يعني أن تأزم هذا الملف، ليس وليد اللحظة، وليس مفتعلاً، لكن قد يكون للتوقيت غايات سياسية تتيح ربطه بملفات أخرى. إلا أنه من المستبعد أن تكون موسكو بصدد الضغط على إسرائيل، في ملف المنظمات اليهودية، بغية تحصيل مكاسب في ملفات أخرى، حصراً. فهذه المنظمات باتت هاجساً يقلق السلطات الروسية، نظراً لنشاطها في اجتذاب أثرياء وكفاءات يهودية روسية، للهجرة إلى إسرائيل. وتقرّ وسائل إعلام إسرائيلية بذلك، إذ تتحدث عن هجرة 20 ألف يهودي روسي، منذ مطلع العام 2022، وهي أعلى نسبة هجرة لليهود من دول أجنبية، حتى من أوكرانيا نفسها. وقد تلقت منظمات يهودية أخرى، عاملة في روسيا، رسائل من وزارة العدل، تشابه تلك التي تلقتها "سخنوت"، مما يعني أن صانع القرار الروسي بصدد التضييق على نشاطات كافة المنظمات اليهودية في روسيا. وهو ما فهمته الحكومة الإسرائيلية، التي أبدت استعدادها للتفاوض، الأمر الذي سيفتح الباب لمناقشة ملفين آخرين، مضافين إلى ملف المنظمات اليهودية. الأول يتعلّق بتزايد الانحياز الإسرائيلي إلى جانب الغرب في مواجهة روسيا بأوكرانيا، والثاني يتعلّق بالضربات الإسرائيلية في سوريا. 

في الملف الأوكراني، تنكر حكومة إسرائيل أي تورطٍ ميداني. لكن السلطات الروسية تشير إلى تورط سرّي، بالمقاتلين، وبالأسلحة، رغم الإنكار الإسرائيلي. وهو ما تضغط موسكو للَجمِه. 

أما في الملف السوري، فكان لافتاً أن يتزامن إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، عن استهداف روسي "غير خطير" للطائرات الإسرائيلية، مع مطالبة إيرانية علنية لموسكو بوقف "الاستفزازات" الإسرائيلية في سوريا. بيني غانتس، تحدث عن تفعيل بطارية الدفاع الجوي الروسية إس 300، في أعقاب هجوم لسلاح الجو الإسرائيلي، في مدينة مصياف بريف حماة الشمالي، في أيار/مايو الماضي. ورغم أن الصواريخ الروسية، لم تشكل خطراً حقيقياً على الطائرات الإسرائيلية، إلا أنها كانت سابقة، تعبّر عن استياء روسي من تصاعد الهجمات الإسرائيلية، ومن نوعية الأهداف التي طالتها. تلك "السابقة"، لم تتكرر. وتصاعدت الهجمات الإسرائيلية، عقب تلك الحادثة، وصولاً إلى استهداف مطار دمشق الدولي، بصورة نوعية. لكن التقارب الإيراني – الروسي، الذي وصل ذروته في قمة طهران، قبل عشرة أيام، قد يخلق رغبة روسية جادة، في تقليص الهامش المتاح للأهداف في سوريا، أمام الطيران الإسرائيلي. 

وما يهمنا هنا، أنه في الملف السوري، تتجه موسكو إلى التفاوض على قواعد جديدة للعبة مع إسرائيل، بحيث تصبح الأخيرة عاجزة عن استهداف أماكن محددة، أو من طبيعة ما، كمنشآت البنية التحتية الهامة، مثلاً، أو تلك القريبة من قاعدة حميميم، بالساحل السوري. 

وفي الختام، فإن استخدام روسيا للضغط السياسي والدبلوماسي، في ملف الضربات الإسرائيلية، دون تكرار لتفعيل الصواريخ الروسية مجدداً، حتى الآن، يؤشر إلى أن موسكو لا تريد انهيار التنسيق المشترك مع إسرائيل، في سوريا، بل تريد التفاوض على ترتيبات جديدة بخصوصه. وهو ما قد تكون إسرائيل مضطرة لفعله، في المرحلة المقبلة.