الطريق- د.باسل معراوي
كان واضحاً منذ اليوم الأول للثورة السورية اعتبار النظام السوري أنَّ القطاع الطبي هو من الأعداء الرئيسيين، وكان إسعاف جريحٍ متظاهر أو تقديم أي عون طبي يعرّض صاحبه للإعدام الفوري، وتوجد مئات الحالات الموثّقة التي يعرفها الجميع.
تطور استهداف النظام السوري، وفيما بعد حليفه الروسي، للمنشآت الطبية إحدى أهم الأسلحة التي يستعملها للقضاء على الثورة؛ ليقينه أنَّ من أهم أسباب صمود الثورة (مدنيين ومقاتلين) بوجه الهمجية الأسدية، هو توفر الرعاية الطبية ولو بأشكالها البسيطة، فكانت سياسة الأرض المحروقة أو التي تستهدف ضرب النظام الصحي للمناطق الثائرة ولاتزال هذه السياسة متبعة، إلّا أنَّ هدوء المعارك النسبي أبرز في السنوات الأخيرة معاناة من نوع آخر هي تناقص مضطرد للدعم المالي المقدم للمراكز الطبية.
إنهاك الداعم
كان لابد مع استمرار الأزمة والمعاناة ودخولها العام الحادي عشر، من توقع ما يسمى بإنهاك الداعم؛ فمع مرور السنوات يتم توصيف المعاناة إلى أزمة مستدامة لا تنفع معها الحلول الإسعافية والتي همها إنقاذ الحياة والتوجه إلى دعم من نوع آخر يشجع على إعادة تأهيل بعض القطاعات الإنتاجية بما يمكن أن يسمَّى بدء التعافي المبكر، تمهيداً للعودة إلى الوضع شبه الطبيعي.
إنَّ لظاهرة إنهاك الداعم أسباباً عديدة، فإنهاك المانح يعني بالتأكيد نقص التمويل ونقص الاهتمام في ظل توجه أنظار المانح إلى كوارث إنسانية أخرى مستجدة أو لم تلق الاهتمام والدعم المطلوبين، ويكون تحقيق النتائج الايجابية أوضح، مثل اليمن وآثار جائحة كوفيد في الدول الفقيرة أو ميانمار.. الخ.
تلعب المستويات البدائية وعدم الاستعداد الكافي عند منظمات المجتمع المدني السورية، دوراً مهمَّاً في تفاقم الظاهرة، بحيث تنصب تلك الجهود على مستوى المشاريع الإنسانية بشكل فردي. وبغياب أي تنسيق أو حوكمة للمناطق المحررة تكون برعاية جسم جامع للمنظمات العاملة أو برعاية الحكومة المؤقتة، سيجعل من الصعب التصدي لتناقص التمويل المستمر عاماً بعد عام.
ما يفاقم ظاهرة إنهاك الداعم أمران أساسيان:
1- الإدارة عن بعد، والمراقبة عن بعد التي يمارسها الداعم عبر المنظمة المحلية؛ هذا البعد يجعل الداعم بعيداً عن الملاحظة المباشرة للأثر الإنساني لتمويله. ورغم تطور آليات المراقبة عن بعد، إلا أنه سيبقى في النفس شيءٌ من إنَّ.
2- جزء كبير من إنهاك الداعم هو بفعل عامل الزمن؛ وما يفاقم هذا العامل هو تعامل الداعمين مع الوجوه نفسها والإدارات نفسها لمنظمات العمل الإنساني في سورية، بحيث تقع العملية كلها في فخ الرتابة وتكرار الأفكار.
ويمكن أن يكون الحل لحالة إنهاك الداعمين هو:
1-طرح مشاريع جديدة على الداعمين والتوجه لداعمين جدد، وإظهار الأثر الإنساني للمشروع والبناء عليه.
2-ضغط النفقات الإدارية، وتغيير الوجوه القديمة بوجوه جديدة توحي للداعمين أنَّ التغيير الحقيقي طرأ على عقليات وسلوك الإدارات..ومن أهم النقاط الواجب اتباعها توحيد جهود المنظمات والتعاضد بجسم واحد يشرف وينسق العمل، بحيث لا تكون هناك مشاريع بالغايات والأهداف نفسها في منطقة جغرافية واحدة.
إنَّ إغلاق 18 مشفى في الشمال السوري سيؤثر بشكل كبير على المواطن المنهك منذ أكثر من عقد من الحرب المدمِّرة ..ولايزال النظام الطبي في الشمال المحرَّر واقفاً على قدميه بوجود حوالي 60 مشفى تقدم الخدمات، وتمتص فائض الضغط الذي تولد من إغلاق المشافي التي توقف دعمها.
توجد توقعات أنَّ "الأوتشا" وهو مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية والذي يغطي حوالي 20% من الدعم الطبي، سيوجه دعمه في العام الحالي إلى المشافي المركزية الكبيرة؛ لتعذر دعمها من المنظمات الصغيرة التي سيتولى جزء منها دعم المشافي المتوقفة الآن عن العمل أو بعضها على الأقل. مع تحويل جميع مراكز الرعاية الصحية الى أولية والاكتفاء بالاختصاصات الأساسية والتخلي عن دعم مشاريع الرعاية الثانوية؛ كالدعم النفسي، والمساحات الآمنة للأطفال، ومشاريع التأهيل الحركي والمعالجة الفيزيائية.