رأي

إفلاس النظام.. يصل حدَّ التعلق بخبرٍ صحفي

السبت, 8 مايو - 2021
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

الطريق

عندما تفلس إحدى الدول اقتصادياً أو سياسياً، يضطر قادتها للبحث عن حادثة من هنا، أو بيان من هناك، يتعلقون به ويعتمدون ترويجه عند جمهورهم، لتذكيرهم بأنَّهم لا يزالون على قيد الحياة السياسية، أو من بوابة الاستثمار السلطوي، وسوريا على أعتاب ما يسمَّى "الانتخابات الرئاسية".

ومنذ اندلاع الثورة السورية، وتبنِّي النظام مفهوم القوة الناعمة إلى جانب القوة الصلبة التي دمَّرت المدن الثائرة وقتلت وشرَّدت ملايين السوريين، تركِّزُ سياسة النظام الإعلامية الناعمة على نشر الإشاعات الكاذبة عبر وسم جمهور الثورة بالإرهاب، ووصف معارضي حكمه بالخيانة والعمالة للدول التي دعمت الحراك، بسبب إلحاقهم الضرر بالنظام من خلال عزله عن محيطه العربي، وقطع الغرب علاقته الدبلوماسية والسياسية معه.

لقد استخدم النظام الأسدي أدوات عديدة لترويج سرديته: وسائلَ الإعلام، ورجال الدين، والبرلمانيين من السوريين والعرب المقيمين في بلدانهم أو بلاد المهجر؛ وهذا ما جعل "عبدالباري عطوان" الصحافي المهووس بمحور المقاومة والممانعة "النظام السوري-الحرس الثوري الإيراني وأذياله" منحازاً لرواية النظام، رغم كلِّ الانتهاكات التي مارسها هذا المحور، بما فيها الإشاعات التي لا تستند إلى مصدر رسمي، كان آخرها الخبر الذي نشره في صحيفته الإلكترونية (الرأي اليوم)؛ عن زيارة الفريق خالد الحميدان رئيس المخابرات السعودية إلى دمشق، ولقائه بشار الأسد ونائبه للشؤون الأمنية علي مملوك؛ ما أثار ضجة في صفوف المعارضة السورية، اعتقاداً منها بأنَّ أقرب حلفائهم العرب بدَؤُوا بالانفتاح على النظام، وبالتالي التخلي عنهم لصالحه.. وما زاد من أهمية خبر عطوان وانتشاره عند الجمهور المناهض للنظام، هو تأكيده من قبل صحيفة الغارديان البريطانية التي نشرت الخبر بأنَّه عن مسؤول سعودي، مفضلةً عدم ذكر اسمه، ثمَّ تلاه تأخير من الجانب السعودي بنفي أو تأكيد الاجتماع، وهذا ما أربك معظم المعنيين بالشأن العام السوري، وجعلني وكثيرين ممَّن يؤمنون بالدور العربي الداعم للثورة السورية إلى التواصل وتتبع الخبر مع شخصيات ذات ثقل سياسي في المملكة، لاستكشاف التطورات والبناء عليها؛ لأنَّ هذا الخبر سبقته تسريبات أكدتها الخارجية السعودية فيما بعد عن لقاءات بين المخابرات السعودية ونظيرتها الإيرانية في العراق.

وفي ضوء ذلك، قد تكون القضية السورية أحد محاور الجانبين السعودي-الإيراني. ولكن من ناحية أخرى، هناك ما يدحض رواية عبد الباري عطوان، التي تربط الخبر بنقله عن مسؤول سعودي، وعطوان معروف بعدائه لقيادة المملكة، بل وقوفه إلى جانب أعدائها.. فما الذي يجعلهم يسربون الخبر له ويخفونه عن الآخرين!

أنا هنا لا أنكر الخبر بالمطلق، لكن المنطق والتاريخ يقولان إنَّ اللقاءات الأولية بين الخصوم السياسيين تجري في مكان محايد، وهذا ما حدث في بغداد بين السعوديين والإيرانيين.

ولكي تتضح الرؤية؛ أكد مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية الدبلوماسي رائد قرملي، عدم دقة خبر صحيفة "الرأي اليوم" الذي نشره رئيس تحريرها. وبهذا وقع السيد عطوان في فخ التحيز الصحافي بإظهار الخبر في صيغته المنشورة، دون إبراز الحقائق والأدلة، مستخدماً لغة ملوّنة تفيد أحد الطرفين على حساب الآخر، محاولاً تضليل الجمهور العربي بما يثير تحليله للأخبار وترتيب معلوماته؛ وهذا ما يفقد السيد عطوان الدقة والموضوعية والشفافية والنزاهة الإعلامية التي طالما ربطها بتاريخه المهني، وهو ما يزال مشوهاً بانحيازه للمحور الإيراني الذي لا يمل من قتل الشعوب العربية الرافضة وجوده على أراضيها.

بناءً على تلك المعطيات، سيبقى الشعب خاسراً ما لم تُجبِر الدولُ النافذة والمتحكمة بالملف السوري النظامَ على الامتثال للقرارات الدولية التي تضمن الانتقال السياسي، والعودة الكريمة إلى الوطن.