رأي

الفصائلية السورية.. ثقافة يصعُب تجاوزها

الجمعة, 3 سبتمبر - 2021
انعكست المناكفات الإقليمية والدولية على قوى الثورة
انعكست المناكفات الإقليمية والدولية على قوى الثورة

الطريق - درويش خليفة


يعتقد كثيرون من جمهور الثورة السورية أن وجود الفصائل المقاتلة في مناطق الشمال الغربي من سوريا، وتوحيدها تحت راية واحدة، وهي علم الاستقلال، في الجيش الوطني المعارض؛ سيكون أثراً إيجابياً على الثورة والمناطق التي يتواجدون فيها، ولكن الواضح أن الأمور لا تزال في إطار حالتها الفصائلية وأحياناً المناطقية، بالرغم من توحيد الدعم عند جهة واحدة، ألا أن الأمر بات شبه ثقافة سوريالية، وعلى جميع الصعد العسكرية والسياسية وفي بعض الأحايين المدنية في المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني.

ولم تكن المجموعات المقاتلة في مرحلة تسليح الثورة متجانسة إلى حد كبير، نعني بذلك الضباط المنشقين والجنود والقادة الثوريين؛ حيث كانوا منقسمين ضمن كيانات مناطقية إلى حدٍ كبير، ولم يلتقوا مع بعضهم البعض طيلة السنوات الماضية سوى في اجتماعات مع المانحين الإقليميين أو ما بعد تهجير مناطق الجنوب، الغوطة الشرقية والقلمون وحي الوعر الحمصي، إلى الشمال الغربي من سوريا.

وبشكل واضح، انعكست المناكفات بين القوى السياسية المدعومة من قبل أطراف إقليمية على حالة قوى الثورة العسكرية؛ فمنهم من انحاز للمحور المدعوم من جماعات الإسلام السياسي وآخرون اختفى ذكرهم بعد وصولهم إلى الشمال السوري، خصوصاً من كانوا مصطفين إلى جانب محور على خلاف إيديولوجي مع الإسلاميين.

في الأيام القليلة الماضية، قدم اللواء سليم إدريس، وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، استقالته، معرباً عن استيائه من التناحر بين الفصائل العاملة في مناطق ريف حلب الشمالي الشرقي، والتي باتت تُلقّب بأسماء المعارك التي خاضتها في السنوات الماضية بجرابلس والباب وعفرين (درع الفرات-غصن الزيتون).

وتعود استقالة وزير الدفاع إلى التوتر الأخير بين الفصائل المنضوية تحت مظلة الجيش الوطني في غرفة "عزم" (الجبهة الشامية، السلطان مراد) من جهة وبين الفصائل التي كانت تنوي الانسحاب (فرقة الحمزة، وفرقة السلطان سليمان شاه، ولواء صقور الشمال) من جهة أخرى.

وعلى الرغم من احتواء الخلاف وتجاوزه، إلا أنَّ اللواء إدريس، على ما يبدو، وصل إلى طريق مسدود في التعامل مع مثل هذه الخلافات، وأصبحت تشكل عامل قلق في المناطق المحررة ولدى وزارة الدفاع، رغم الهدف المشترك الذي يفترض أن يجمع الفصائل كلها تحت مسمَّى (مقاتلو الحرية)!

الواقع السوري يفسر إرث التنافس السلبي إلى فترة ليست بالقليلة، عاشها السوريون في كنف الحزب الواحد والقائد الواحد والسلطة المحكومة بفعل الأفرع الأمنية وما ينتج عنها، الأمر الذي خلق عند السوريين موروثاً نفسياً يتمثل في الولاء للفصيل والقائد والمنطقة قبل الولاء للوطن، وقبل الولاء لـ (الثورة) التي تعتبر حالة وطنية لم تشهدها سوريا ما بعد آذار 1963، عندما استولى حزب البعث على مفاصل الحكم في سوريا، وجسَّد حافظ الأسد السلطة في شخصه في حكم أوتوقراطي فريد في استبداده على مرّ التاريخ السوري.

ولعلَّ من المناسب دائماً التذكير بمطالب الشعب السوري بالتحول الديمقراطي وبناء دولته العصرية، التي تمكن السلطة المدنية من استعادة السيطرة على النخبة العسكرية وعدم تسييسها أيضاً، كما فعل نظام الأسد عندما عسكر الحزب وبعثن المجتمع، خلافاً للأعراف والمعايير الديمقراطية التي يشترك في قراءتها ونسجها العديد من محللي العلاقات السياسية والعسكرية، فالأيديولوجية التي تتقوقع في إطار فصائلي لا تؤدي بالضرورة إلى درجة أعلى من الاحتراف، بل على العكس تماماً.