رأي

التدخّل الإيراني في سورية بين البدايات والهيمنة

السبت, 22 مايو - 2021

الطريق -محمود الماضي 

بدأت العلاقة بين نظام الأسد ،وإيران في بداية الثمانينيّات مع مجيء الخميني، فيما سمّي بانتصار الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979 ،والذي قال يومها : "إنّ الثورة الإسلاميّة لن تتوقّف داخل حدود إيران، وإنّما ستصدّر، وتشمل كامل المنطقة" وبالفعل حاولت إيران تصدير الثورة إلى الدول المجاورة، وذلك من خلال إحداث القلاقل في العراق، وتأجيج الشارع العراقي، ومن ثم إحداث ثورة ضد النظام الحاكم على غرار الثورة في إيران، كما قامت أيضاً بقصف بعض المناطق الحدودية في محافظتي ديالى، والكوت ما اعتبره العراق خرقا لاتفاقيّة الجزائر، ومحاولة من إيران لغزو العراق وهكذا بدأت حرب السنوات الثمان بين العراق، وإيران، والتي كانت واحدة من من أكثر الحروب فتكاً، ودماراً في القرن العشرين .

تطوّرت العلاقة بين نظام دمشق، وطهران مع اندلاع هذه الحرب التي سمّيت بحرب الخليج الأولى، في صيف عام 1980 حينما، وقف حافظ الأسد إلى جانب إيران في خرق فاضح لمبادئ الجامعة العربيّة، وميثاق الدفاع العربي المشترك، ضارباً عرض الحائط بكلّ الشعارات التي كان ينادي بها حول التضامن العربي، والوحدة العربيّة، ومبادئ حزب البعث الذي كان يحكم في سورية وأنذاك في العراق .

حتى وصل الأمر إلى فتح مطار دير الزور العسكري للطيران الحربي الإيراني، لقصف أهداف داخل العراق، ناهيك عن بعض المساعدات الأخرى، التي قدمّها نظام الأسد لإيران من أسلحة، وصواريخ والتي أثبتها العراق، إضافة إلى استقبال بعض المعارضة العراقيّة "الكرديّة، والعربيّة" ودعمها وتدريبها .

عندها تعرضت سورية إلى قطيعة عربية،باسثناء ليبيا، وأضحت في عزلة بسبب موقفها الذي يعد خروجاً عن الصف العربي، وضد المنظومة العربيّة والذي فسرته الزعامات العربيّة، وشعوبها اصطفافاً طائفيّاً، هدم كلّ ماكان يدعيه حافظ الأسد من توجّه قومي .

فراحت العلاقة بين نظام دمشق، وإيران تأخذ منحى الحلف، وخصوصاً بعد أن جمعتهما المتاجرة بالقضيّة الفلسطينيّة، واستطاعت إيران بالفعل أن تنجح بتصدير ثورتها إلى لبنان، وذلك بعد أن شكّلت حزب الله، باسم المقاومة الإسلاميّة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والذي هيمنت فيما بعد من خلال ميليشيا هذا الحزب على القرار اللبناني .

وهكذا نشأ مايسمّى محور المقاومة، والممانعة "إيران، سورية حزب الله" بعدها أضحت دمشق محجاً للإيرانيين، وخصوصاً السيدة زينب، وهذا مادفع بالتدخّل الإيراني إلى التوسع، وكان بدايته عن طريق الملحقيّة الثقافيّة الإيرانيّة، وهبات الجمعيّات الخيريّة، سواء منها المساعدات الماليّة والعينيّة لبعض الرموز الاجتماعيّة والعشائريّة، أو الصحيّة مثل مشفى الخميني وسط دمشق، أوالدعويّة مثل بناء بعض الحسينيات باسم المساجد في مناطق متفرقة من سورية، وكلّها بهدف التشيييع والولاء لإيران.

بعد الغزو الأمريكي للعراق، وسقوط نظام صدام، وحلّ الجيش العراقي في عام 2003، أضحى العراق بأكمله مفتوحاً أمام إيران، فهيمنت عليه سياسيّاً، وعسكريّاً عبر ميليشياتها الطائفية، بأقوى قبضة وأشدّ تحكماً مما هو حاصل في لبنان 

هذا ما انعكس على سورية أيضاً في عهد بشار الأسد، الذي كان أضعف من أن يحد من النفوذ الإيراني، الذي أخذ يستشري في النظام السياسي، والمنظومة الأمنيّة، وخصوصاً بعد أن ساءت علاقة سورية مع مصر، وبعض دول الخليج على خلفية حرب عام 2006، التي افتعلها حزب الله ضدَّ إسرائيل، والتي وصفتها مصر والسعودية بالمغامرة غير المسؤولة، فضلاً عن عدم الرجوع إلى السلطة الشرعيّة في لبنان، ودون التنسيق مع الدول العربيّة، ومازاد الشرخ تفاقماً هو رد بشار الأسد على هذا الموقف خلال خطاب له واصفاً بعض قيادات الخليج، ومصر "بأنصاف الرجال"

بعد انطلاق الثورة السوريّة وازدياد الاحتجاجات والمظاهرات ضد نظام الأسد في ربيع 2011، خشيت إيران من سقوط النظام، وانهيار مشروعها الاستراتيجي، الذي تبتغي منه ربط إيران بلبنان براً، عن طريق العراق وسورية، لذلك أسرعت لنجدة نظام الأسد محاولة منها لإنقاذه، فزجّت بكامل ثقلها في الصراع إلى جانب النظام، ودفعت بميليشيات حزب الله اللبنانية، وعشرات الميليشيات العراقيّة، أهمها: "ميليشيا لواء أبو الفضل العباس، وميليشيا حركة النجباء، وميليشيات فاطميون الأفغانية، وميليشيات زينبيون الباكستانيّة"، للتدخّل في سورية عسكريّاً، بقيادة الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس بإشراف قاسم سليماني، حتى وصل عدد هذه الميليشيات إلى مئة ألف مقاتل، بناء على تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني في عام 2019 .

كلّ ذلك تحت شعار نصرة المذهب، وحماية المراقد المقدسة، وتحرير القدس، ودعم المقاومة، والممانعة مقابل مبالغ ماليّة، فضلاً عن محفّزات أخرى، مثل منح الجنسيّة السورية للأفغان والإيرانيين.

وقد استُخدِم في هذا التحشيد النفس الطائفي بشكل أساسي؛ لتجنيد المقاتلين الشيعة عبر المنابر الإعلاميّة، والحسينيات، والفضائيات التي أخذت تُطلق هذه الشعارات الطائفية،لإثارة الشيعة، من مثل: "يا لثارات الحسين" "ولن تُسبى زينب مرتين"

كما قامت إيران عن طريق مخابرات النظام، بدعوة بعض شيوخ عشائر، ووجهاء في المنطقة الشرقيّة ممّن يوالون نظام الأسد، لزيارة إيران أكثر من مرة، محاولة منها لكسب العشائر بغية تشكيل ميليشيات عشائرية، وزجّها في الصراع إلى جانب النظام، إضافة إلى نشر الفكر الشيعي في المنطقة.

وبهذا، فقد هيمنت إيران على القرار العسكري والسياسي في سورية، قبل أن يقاسمها الروس في ذلك بعد عام 2015، حتى إنَّها أخذت تفاوض باسم نظام الأسد في كثير من اللقاءات الدولية، التي تخصّ الشأن السوري، وعلى رأسها مؤتمرات الأستانة، إلى أن ضاقت روسيا بها ذرعاً، بسبب نفوذها الكبير داخل المؤسسة السياسيّة، والعسكريّة لنظام الأسد.

كلَ ذلك جعل الإنفاق الإيراني في الحرب إلى جانب النظام يصل إلى أكثر من خمسين مليار دولار، وهذا مادفع إيران للتفكير في إعادة هذه المبالغ الضخمة، سيّما وأنّ شعبها يعاني الفقر، والجوع، والحصار؛ لذلك دخلت إيران في العديد من الاتفاقات، والعقود الاستثمارية مع نظام الأسد، لإعادة بناء بعض القطاعات التي دُمّرت خلال الحرب، والتي تشمل البنية التحتيّة، والكهرباء، والصحة، والمطاحن، وإنتاج وتوريد الأغذية.

ورغم كلّ التّحديات التي تواجهها إيران في سورية، إلَا أنّها مازالت مستمرة في تنفيذ مشروعها، وذلك من خلال بناء المراقد والمزارات، والحسينيّات في البوكمال، وبعض مناطق أخرى في حلب، واستقطاب الأطفال، والطلبة لاعتناق المذهب الشيعي، من خلال استغلال الوضع المعاشي الصعب للأهالي هناك، وابتزاز وضعهم الأمني في المنطقة التي تسيطر عليها.

ومع ذلك، فقد تدرك إيران صعوبة نجاح مشروعها في سورية، الذي يواجه عدة مخاطر، أولها عدم ضمانها بقاء الأسد واستمراره في الحكم، وهذا ماينسف مشروعها برمته فور سقوطه، وثانيها الضربات التي تتعرض لها مواقع ميليشياتها في المنطقة، إضافة إلى الوجود الأمريكي، وتوجس روسيا وتذمّرها من نفوذها داخل المؤسسة العسكريّة والأمنيّة لنظام الأسد .

وبهذا فإيران واقعة بين نارين، إن استمرت بالبقاء في سورية، فلن تستطيع الصمود أمام هذه الخسائر التي تتعرض لها، وإن خرجت، فسوف تفقد مشروعها الذي عملت عليه منذ عقود.

محمود الماضي

رئيس الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة