رأي

من يحكم سوريا .. مليشيات أم حكومة اقتصادها الكبتاغون؟

الثلاثاء, 7 ديسمبر - 2021

الطريق- درويش خليفة


عبر التاريخ، كان العامل الاقتصادي والقاسم المشترك بين الميلشيات والقوى العابرة للحدود الدولية، هو تجارة المخدرات بكلِّ أنواعها وأضرارها، لكن أن يصل الأمر بالنظام السوري –المُمَثل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية– إلى أن يقوم بدور الميلشيات، فهذا يتطلب تدخلاً عاجلاً من قبل الدول الكبرى ووضعه تحت الفصل السابع؛ لأنَّ الاستمرار في تصدير الإرهاب والجريمة يهدد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

في حين أنّ المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة "تمكّن المجلس من استعمال القوة لصون السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما، إذا رأى أنّ التدابير غير العسكرية لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تفِ به". وبما أنه ليست للأمم المتحدة قوات مسلحة تحت إمرتها، فإنّ المجلس يستعمل المادة 42 لكي يأذن باستعمال القوة من جانب عملية حفظ السلام، أو قوات متعددة الجنسية أو تدخلات من منظمات إقليمية.

من هذا المبدأ، نستنتج أنَّ تكلفة بقاء النظام السوري في السلطة على المجتمع الدولي والدول المجاورة له، وكذلك على دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتبر الهدف الرئيسي لتجارته المحظورة دولياً، أكبرُ من تكلفة رحيله؛ الأمر الذي يتطلب تكاتف الدول الكبرى لإزالته من حكم سوريا.

وقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيقها الأخير، أنَّ "صناعة المخدرات، خاصة أقراص الكبتاغون، يديرها أقارب رئيس النظام السوري بشار الأسد مع شركاء أقوياء، حيث بلغت قيمتها مليارات الدولارات، متجاوزة الصادرات القانونية لسوريا".

ويكمن الخطر الأكبر وراء تصنيع الحبوب المخدرة في مناطق سيطرة النظام، حيث تصل إلى عشر دول منها دول عربية، إضافة إلى تركيا وماليزيا، وقد وصل الكبتاغون السوري إلى أوروبا الشرقية والغربية، وتحديداً إلى رومانيا وألمانيا، أي أنَّ سوريا أضحت مصدراً لكلِّ ما يهدد استقرار المنطقة ودول ضفاف البحر المتوسط، بإرسال عناصر إرهابية ومواد مخدرة، فضلاً عن ابتزاز الأوربيين بتعمد إرسال لاجئين إليهم من خلال تسهيل وصولهم إلى بلاروسيا؛ للعبور إلى القارة العجوز.

وفي وقت سابق، أشارت تقارير عديدة إلى تورط قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، الشقيق الأصغر لرأس النظام السوري، إضافة إلى ميليشيا حزب الله اللبناني ورجال الأعمال السوريين المقربين من عائلة الأسد، بعمليات إنتاج وتوزيع الكبتاغون. وهو ما يقودنا إلى استنتاج مفاده أنّ النظام يغذي آلة الحرب ضدَّ الشعب السوري من خلال التجارة المحرَّمة، حيث تم ضبط أكثر من 250 مليون حبة كبتاغون حول العالم هذا العام مصدرها سوريا، أي أضعاف ما كان يُصدره في السنوات الأربع الأخيرة.

إنَّ مشكلة سوريا لم تعُد خافية على أحد، متمثلةً في بقاء نظام الأسد على كرسيّه واللامبالاة في التعاطي معه، وعدم إجباره على تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري وفي مقدمتها القرار رقم (2254). وأكثر ما يثير الاستغراب في الحالة السورية، هو انفتاح بعض الدول على النظام وهي التي عانت الأمرَّين من سلوكه، بل وتدعم عودته إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية! فالمملكة الأردنية التي أعادت علاقتها مع النظام، يُستهلك فيها خُمس المخدرات المهرَّبة من سوريا إلى دول الخليج، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية، حيث تمكنت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية، في أقل من شهر من إحباط محاولة تهريب أكثر من 2.3 مليون حبة كبتاغون، عُثر عليها مخبأة في شاحنات عبرت من الأردن.

خلاصة القول: إنَّ إعادة تعويم النظام لن تحد من سلوكه الباعث للقلق الذي اتبعه مع جواره أو مع دول المنطقة، بل ستساهم في زيادة معاناة السوريين، وبالتالي؛ تصبح فرص عودة اللاجئين إلى بلدهم في مهب الريح، الأمر الذي يبقي القضية السورية متأرجحة بين الدول الداعمة للأسد وأخرى تطالب بتطبيقه القرارات الدولية.

ومن هنا تجدر الإشارة، إلى أنَّ حلفاء النظام استطاعوا ربط الملف السوري بملفاتٍ معقدة في المنطقة، وهو ما أثر بشكل كبير على فرص الحلول السياسية بعيداً عن القضايا الإقليمية، بما في ذلك الملف النووي الإيراني، وهيمنة سلاح حزب الله على الدولة اللبنانية. وحتى على المستوى المحلي، هناك تعارض في العديد من الأمور التي يصعب التغلب عليها في كثير من الأحيان، فالقضية الكردية مرتبطة بالمرونة التركية ومدى قبول أنقرة شكلاً إدارياً جديداً في سوريا، الأمر الذي قد يمنح الكرد حكماً ذاتياً، ما يفتح شهية القوميات والطوائف الأخرى لمواصلة التجربة ذاتها، وهو الذي يجعل سوريا دولة مركبة، فاشلة في إدارة شؤون مواطنيها، تسيطر على قراراتها دول أجنبية تجيرها وفقاً لمصالحها واتجاهاتها السياسية.