رأي

النظام السوري بوصفِه جزءاً من أزمات لبنان المتتالية

الخميس, 4 نوفمبر - 2021

الطريق- درويش خليفة


سيطر النظام السوري على القرار السياسي في لبنان لمدة ربع قرن، مستحكماً بمفاصل الحكم هناك، بدءاً من تسمية قادة الجيش مروراً بتأثيره المباشر على رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب؛ إذ منحَ حافظ الأسد ومن بعده وريثه بشار الحقَّ لنفسيهما بالاستحواذ على حق النقض "فيتو" على أي مرشح لمنصبٍ حكومي، حتى وإن كان مختار حيٍّ أو قرية صغيرة يعارض وجود الجيش السوري (الأسدي) في لبنان.

 بمقابل ذلك، حاول النظام مراعاة "اتفاق الطائف" في توزيع السلطات بحده الأدنى؛ بشرط أن لا يخرج أحد عن طوعه، وإلّا أدَّى ذلك بالمخالفين لدفع الثمن غالياً؛ وهناك أمثلة كثيرة تحاكي تلك الحقبة. وعلى الرغم من مضي 16 عاماً على انسحاب الجيش السوري من لبنان، إلا أنَّ الذاكرة اللبنانية لا تزال تستذكر قادة الرأي، من السياسيين والصحافيين الذين تمت تصفيتهم على أيدي أزلام الأسدين، ووريثهم المحلي "حزب الله" المدعوم من النظام الإيراني.

الأزمة الأخيرة بين لبنان العاجز عن ضبط وزرائه وأحزابه ولا سِيَّما المسلحة منها، والمملكة العربية السعودية صاحبة النفوذ والتأثير الأكبر في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، جاءت لتهز الكيان اللبناني المترنح أساساً، دون أي تعليقٍ رسميّ من قبل النظام في دمشق، الذي عودنا على تدخله بأدق التفاصيل في لبنان، وخصيصاً؛ عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع دول الخليج العربي، كان أبرزها في الأسبوع المنصرم معاقبة الحكومة اللبنانية بجريرة تصريحات وزير إعلامها "جورج قرداحي" بطرد سفراء لبنان من بلدانها وسحب سفرائها من بيروت.

في الحقيقة، إنّ سوريا ما بعد ثورة آذار 2011، ليست كما كانت عليه قبل ذلك التاريخ الذي هزَّ أركان سلطاتها، حيث كشفت الثورة عورة النظام، وبالتالي؛ لم تعُد في سوريا تلك الدولة وذاك الجيش الذي كان يُعول عليه مع جيوش مصر والعراق باتخاذ قرار الحرب على الصعيد العربي إذا ما اقتضت الحاجة، وهو بالفعل ما اقتضته مراراً خلال العقود الأربعة الماضية، ولم يحرك الأسد جندياً واحداً باتجاه الحدود الجنوبية السورية، لكنها حتماً لن تقتضيه في العقود القليلة القادمة.

وممَّا لا شك فيه أنَّ نظام الأسد غير راضٍ عن تداعيات القرارات الخليجية على لبنان، حيث بدأت ماكينته الإعلامية منذ فترة بالترويج بين أوساط الموالين له بعودته إلى مقعد الجامعة العربية، وأنّ التطبيع العربي مع الأسد قادم، بعد حالة التفاؤل التي بدت على النظام الإيراني وحلفائه باللقاءات التي جرت على مستوى الاستخبارات الإيرانية مع نظرائهم في المملكة السعودية برعاية عراقية.

على المستوى الاقتصادي، تعتمد التجارة التي يشترك فيها نظام الأسد مع حليفه اللبناني حزب الله، على تصدير حبوب الكبتاغون المخدرة إلى دول الخليج عبر الأردن من خلال صناديق الفاكهة والخضار الموسمية.

لكن الأخطر بالنسبة لدول الخليج من كل هذه التجاوزات، هو الارتباط العضوي لنظام الأسد وحزب الله بالنظام الإيراني الذي لا يوفر فرصة للنيل من استقرار وأمن الخليج، بشكلٍ شبه يومي عبر هجوم ميليشيا "أنصار الله" جماعة الحوثي الإرهابية بطائرات مسيرة تستهدف المملكة العربية السعودية، بإشرافٍ وتدريب مباشر من قبل حزب الله ومخابرات بشار الأسد، التي فتحت سفارة للحوثيين في دمشق. وهنا لابدّ من التأكيد على أنّ الخليجيين لن يقبلوا بأنصاف الحلول مع لبنان، فيما لو بقي هذا البلد مختطفاً من قبل حزب الله ومرهوناً لصالح سياسات إيران التوسعية.

لبنان، اليوم، منقسم أكثر من ذي قبل بعشرات، بل بمئات المرات عمَّا كان عليه في العقود الماضية، فالهُويَّة اللبنانية تتعرض لخطر الفقدان، كما أنّ المثقف والسياسي اللبناني بات يعمل في حقل ألغام لا يمكنه وضع قدمين في مسافة متقاربة، فتراه يضع قدماً هنا وأخرى هناك، بسبب السياسات الكارثية التي اتبعها حزب الله وبوصاية داعميه، على الرغم من كل محاولات الترقيع السياسي.

إنّ حال اللبنانيين لا يقل سوءاً عن حال السوريين، لا من حيث قيمة ليراتهما ولا من حيث فقدانهما للمواد الأساسية، إذ إنَّ أدنى المقومات المعيشية مفقودة، بما فيها المواد المصنعة لـ"جوازات السفر" التي تعتبر الأمل الأخير لمواطني البلدين للخلاص من حالة البؤس التي جلبتها اللعنة الإيرانية.

الأكثر وضوحاً في لبنان وسوريا، الغياب الكامل لركائز الدولة وعدم الاتفاق على المحددات الوطنية؛ الأمر الذي أدى إلى الاستقواء بالعامل الخارجي، على حساب الإجماع الوطني الأقل كلفة، والذي نتج عنه انتهاك السيادة والجغرافية وضياع الشعب.