رأي

ناخبون في لبنان .. هاربون من سوريا

الجمعة, 21 مايو - 2021

الطريق -درويش خليفة

مرَّة أخرى، تعود الانتخابات الرئاسية السورية إلى صدارة الصحف والفضائيات العربية، وفي كلِّ مرّة يتم التعامل معها باعتبارها موضع سخرية؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها سوريا نتيجة الحرب المفروضة من قبل نظام بشار الأسد على الشعب السوري المناهض لحكمه. وتجري الانتخابات بينما آلاف السوريين يصطفون أمام الأفران ومحطات الوقود لساعات طويلة.

غير أنَّ التغطية الإعلامية هذه المرة اقتصرت على اعتراض شبان لبنانيين قافلة سيارات سورية متوجهة إلى مركز الانتخاب، في السفارة السورية ببيروت، وإجبارهم أصحابَها على تنزيل مكبرات الصوت الموصولة بأغاني تهتف وتمجِّد بالرئيس الوريث للسلطة في سوريا منذ 21 عاماً.

ومن هنا علينا التفكير ملياً: ما الذي يدفع بهؤلاء اللاجئين ــ توصيفهم في لبنان: "نازحون" ــ إلى انتخاب مَن كان سببَ بؤسِهم وتشرُّدِهم ونزوحِهم إلى بلد آخر، وفي البلد اللبناني نفسه وعلى مرأى اللبنانيين الذين عانوا كثيراً من تحكم وإجرام النظام السوري ؟!

لبنان الذي تضرَّر معظم مواطنيه من وحشية النظام السوري الذي أرهقه  بالأزمات والقتل والتفجيرات والاغتيالات التي طالت عدداً من السياسيين والصحافيين، ثمَّ التغول على (الديمقراطية اللبنانية) التي كان يتغنَّى بها المثقفون العرب ويصفونها بـ "باريس الشرق"؛ نظراً للحريات وتداول السلطة التي كانت تتمتع بها.

وفي ضوء ذلك، سأحاول أن أجدَ مبرراً لأولئك اللاجئين الذين رفعوا صورَ من دمَّر منازلهم وشتتهم، لكنَّهم ذهبوا بأقدامهم لإعطائه صوتهم، بعد أن حرمهم الإدلاء به في بلدهم بحرية، بعيداً عن أعين المخابرات والفرق الحزبية:

 لقد برَّر بعضهم الأمر بتعرضهم للتهديد وسحب أوراقهم الثبوتية، إذا لم يصوتوا للأسد. وآخرون هُدِّدوا بالترحيل والطرد من العمل.. ومع تفهمي ومراعاتي لكلِّ هذه التحديات، إلّا أنَّ السؤال العالق الذي لم أجد له إجابة؛ هو الهتاف بحياة الأسد!

 ولكي نكون منصفين لهم؛ ألا يستطيع النظام السوري وحليفه اللبناني "حزب الله" إجبارَ الكثيرين على النزول من جبل محسن وإحضار مجموعات الشبيحة من دمشق إلى بيروت بميكرو باصات، ظهرت في الفيديوهات المسربة لوسائل الإعلام.

 

ممَّا لا يخفى على أحد، أنَّ إعادة تعويم النظام في سوريا لم يعُد مسألة استحقاق انتخابي أو إجماع قوى محلية، بل باتت القضية السورية بحاجة لتضافر القوى الدولية والإقليمية المتداخلة على الجغرافيا السورية لإنهاء المأساة الإنسانية، والعودة إلى تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والتي تعبر عن الانتقال السياسي، وهذا ما يضمن للسوريين مرحلة انتقالية تكفل لهم بناء كيانات سياسية تعبر عن تطلعاتهم في الاستحقاقات التي تلي إنشاء دستور جديد للبلاد يتضمن قانون أحزاب، بالإضافة لقانون انتخابات وضمان للحريات وتداول سلمي للسلطة.

مساكين من أُرغِموا، تحت وطأة الضغط والترهيب في لبنان، على الذهاب والتصويت للسفاح الأول في هذا العصر، فهم ليسوا سوى رهائن، وفي بعض الأحيان يصبحون أوراق ضغط سياسية عند الدول والقوى اليمينية.

 وبدلاً من تركيز القوى اللبنانية على الداخل، لا سيَّما قطاعات الاقتصاد والتنمية والصحة والتعليم.. نرى أنَّ السيد جبران باسيل وحسن نصرالله منهمكان في تثبيت بشار الأسد على كرسي الرئاسة السورية، في أسوأ حقبة دبلوماسية يمر بها لبنان منذ اتفاق الطائف الشهير.