رأي

هل تحوّل قطاع غزة إلى قنبلة موقوتة بين طهران وتل أبيب؟

الثلاثاء, 18 مايو - 2021

الطريق - علي تمي 

شهدت مدينة القدس أعنف المواجهات، في الأسبوع الفائت، بين شبان فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية وذلك في باحة المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، وقد اشتعل فتيل المواجهات بعد إلقاء شبان فلسطينيين حجارة وزجاجات فارغة على عناصر الشرطة الاسرائيلية، في حين اتّهم شبّان فلسطينيون قوات الأمن الإسرائيلية بأنّها هي من بادرت بالاعتداء على مجموعة منهم عند مدخل الأقصى.

وحتى يوم السبت مساءً، وصل عدد القتلى إلى 83 شخصاً، من بينهم 17 طفلًا و6 نساء، و487 جريحاً وفق ما ذكرت مصادر طبية في غزة، وعلى إثرها نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي مئات الضربات الجوية على القطاع، ما أسفر عن مقتل قيادي بحركة حماس، وتدمير ثلاثة مبانٍ ضخمة، بالإضافة إلى تدمير برج مكون من 13 طابقاً يضم مكاتب إعلامية دولية بغزة، منها مكتب قناة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس الأمريكية.. وكتائب القسام بدورها توعدت "تل أبيب" برد "مزلزل"، والمنطقة أصبحت على فوهة البركان و جميع الاحتمالات باتت واردة، خاصةً بعد أن صعَّدت تل أبيب من لهجتها بالانتقام، بعد قصف الفصائل الفلسطينية الداخل الإسرائيلي بالمئات من الصواريخ المتطورة والبعيدة المدى.. 

المواقف الدولية وردود الأفعال 

بينما تحشد تل أبيب قواتها على الحدود مع غزة تحضيراً لعملية توغل واسعة النطاق، وسط مطالبات دولية بضبط النفس وعدم التصعيد .. 

الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام حذر من أيّ توغل إسرائيلي في قطاع غزة، معتبراً ذلك بـ" فرصة لزيادة عدد القتلى والأسرى من جنود الاحتلال" بينما توعَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في حديث وجَّهه لشعبه، الفصائلَ الفلسطينية قائلاً: "نحن أمام جبهتين في المعركة، الأولى غزة، والثانية المظاهرات في الداخل".

مع استمرار القصف ودوي صفارات الإنذار طوال ليلتي الجمعة والسبت، ومع إطلاق نحو 1800 صاروخ من غزة باتجاه الداخل الإسرائيلي، توالت الدعوات الدولية للتهدئة ووقف التصعيد، حيث اعتبرت برلين إطلاق هذه الصواريخ "هجمات إرهابية"، بينما طالبت واشنطن بخفض التصعيد في الشرق الأوسط مع التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، واستمرار المساعدات للفلسطينيين.

من جانبه، شدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة على "الضرورة الملحة لعودة السلام" في الشرق الأوسط، مؤكداً على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"

المفوضية الأوروبية بدورها أعربت عن قلقها من الأعمال المعادية للسامية، على هامش مظاهرات ضدَّ التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين. كما رُفِعت أعلام إسرائيل على مبانٍ حكومية أوروبية تضامناً مع الدولة الإسرائيلية.

أمَّا الصين وتونس والنرويج، فقد دعت إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، على خلفية التصعيد القائم بين إسرائيل وفلسطين..

فيما اعتبرت أنقرة على لسان رئيسها (أردوغان) أنَّ إسرائيل "دولة إرهابية" بعد أن أطلقت الشرطة الإسرائيلية الرصاص المطاطي وقنابل الصوت على المتظاهرين الفلسطينيين في المسجد الأقصى.

بينما طهران هي الأخرى، تطالب بضرورة إنشاء تحالف إستراتيجي قوي لحل القضيةالفلسطينية معتبرةً أنَّ القوة هي لصالح الفلسطينيين. 

أمَّا الدوحة التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع حركة حماس، فتسعى إلى جانب عمان والقاهرة للتوسط لإنهاء الصراع، مؤكدةً على موقفها الثابت والداعم للشعب الفلسطيني الشقيق لنيل حقوقه الوطنية.

بينما المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض جين بساكي، أكدت أنَّ الولايات المتحدة تراقب عن كثب التطورات الجارية في غزة وإسرائيل، لافتة إلى أنَّ واشنطن ستظل منخرطة في الكثير من المحادثات التي قد تساعد في حلّ الموقف. 

خلفيات الصراع والتوقيت الملغوم

يبدو أنَّ تل أبيب استغلت دخول بعض الدول العربية معها في عملية التطبيع (الإمارات، عُمان، البحرين) وقد دفعها الغرور إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى في المنطقة، وخاصة العراق وإيران.

فهذا التدخل جاء من خلال مشاركة "الموساد" بشكل مباشر في عملية تصفية قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، في بغداد مطلع 2020، بإلإضافة إلى تصفية العالم النووي البارز محسن فخري زادة، قرب طهران في العام ذاته.

كما تشارك واشنطن عبر عملائها في سوريا لقصقصة أجنحة المليشيات الإيرانية في سوريا، وخاصة في شرق الفرات، كما تتوغل الموساد في العراق وسوريا والسودان واليمن، وتقود جماعات تابعة لها في هذه الدول لمواجهة المليشيات الإيرانية، وخاصة في سوريا والعراق. بدورها أنقرة تبدو منزعجة (من خلال نبرتها التصاعدية) حول علاقة تل أبيب مع "العمال الكوردستاني" في سوريا، وترى مصلحة مباشرة لها بفتح جبهة في العمق الإسرائيلي، بالإضافة إلى أنَّ أنقرة تتمتع بعلاقة وثيقة مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى. بينما تبدو الرياض قلقةً من تغلغل تل أبيب في العمق العربي وابتزاز الدول العربية من خلال صفقات مشبوهة لإجبارهم على التطبيع (بالتي هي أحسن)، فالرياض تجد لها مصلحة بوجود المشاكل في العمق الإسرائيلي ومحاولة وقف توغل وتمدد تل أبيب داخل الدول العربية، بينما القاهرة تجد في ذلك فرصة من ذهب بعد أن دعمت تل أبيب إثيوبيا في قضية سد النهضة، حيث تحاول مصر الردَّ عليها عبر الفصائل الفلسطينية بشكل غير مباشر؛ لردعها عن التلاعب بمفاصل المنطقة الإستراتيجية. 

الخلاصة 

تل أبيب بات رأسها مطلوباً لدى أكثر من طرف؛ لأنَّها أصيبت بالغرور، وباتت تتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، فتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة دفعت بحيتان البيت الأبيض إلى محاولة قصقصة أجنحتها قبل أن تخرج عن سيطرتها، ومن الواضح أنَّ البركان الحاصل في غزة وداخل القدس لن يتوقف عند حدود غزة والقدس، وإن لعبت تل أبيب بالنار، فستمتد لتشعل المنطقة برمتها. ويبدو أنَّ تفاهم واشنطن مع طهران وأنقرة حول سوريا والعراق أصبح ضرورة وحاجة لإعادة ضبط إيقاعات المنطقة من جديد، فلدى هاتين الدولتين شعور ومخاوف بأنَّ سوريا والعراق تتجهان نحو التقسيم من خلال تكريس مناطق النفوذ على المدى البعيد بدعم تل أبيب وتنفيذ أمريكي، وإفساح المجال للمليشيات الإيرانية في العراق بالهجوم على كركوك في 2017 والتمركز في شنكال (جبل سنجار) واكتسابها القوة على حساب الكورد في العراق كان خطأ فادحاً من واشنطن ولندن؛ لأنَّ الحشد الشعبي بات يشكل اليوم سنداً للمليشيات الإيرانية التي تتغلغل في سوريا، وبالتالي تحاول التمركز قرب الحدود مع الجولان المحتل لتهديد أمن إسرائيل عن قرب، وفتح جبهة داخلية على إسرائيل بدعم عربي جاءت على طبق من ذهب، فتوقيت هذه المواجهات داخل القدس يبدو ملغوماً، خاصة بوجود ضعف في الموقف الأمريكي. ما يحصل اليوم داخل القدس وقطاع غزة هي حرب أمريكية- إيرانية ومعركة تصفية حسابات بامتياز، لكن لكلِّ دولة مصلحتها الخاصة حيث تتسلق إلى القطار، وتحاول فرض أجنداتها داخل الملعب قدر المستطاع، طهران عنونت مواجهاتها مع تل أبيب من خلال حركة حماس ( العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم ) من خلال هذه الفرضية نستنتج أنَّ المنطقة ذاهبة نحو التصعيد وعلى صفيح ساخن، وربَّما تستغل تل أبيب هذه الفرصة لتهجير ما تبقى من الفلسطينيين من القدس وغزة من خلال توغل عسكري واسع النطاق، وهذا مستبعداً حالياً، لكن ما أثار دهشة الجميع هو تمتّع الفصائل الفلسطينية بالقوة الجوية التي أرعبت السكان داخل إسرائيل، فضلاً عن الثقة بالنفس. ومن الواضح أنَّ الفصائل قد حضَّرت لهذه المعركة بشكلٍ جيد. تل أبيب ستدفع ثمن أخطائِها في حماية النظام السوري من السقوط، بعد أن أفسحت المجال لتمدد المليشيات الإيرانية داخل سوريا، وتثبيت أقدامها التي ستنطلق منها لاستهداف عمق إسرائيل الداخلي.

بالمحصلة، الفصائل تعيش اليوم أوج قوتها وانتصاراتها، وتسطِّر ملحمة غير مسبوقة بدعم إقليمي/ عربي، فالمواقف التي صدرت منها تدل على أنَّها في حالة استعداد وتنتظر مواجهة مفتوحة مع الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة.

والسؤال الذي بات يطرح نفسه: هل ستدخل تل أبيب في مواجهة مفتوحة مع طهران داخل قطاع غزة ؟.. هذا السيناريو مستبعد بسبب حجم التعاطف العربي والإقليمي مع الفلسطينيين؛ ولأنَّ تل أبيب فهمت اللعبة وحجم المخاطر التي تحيط بها، ووجدت نفسها وحيدةً في المواجهة رغم البيانات التضامنية الصادرة عن أصدقائها الأوربيين، وتأكدت أنَّ عمليات التطبيع والتغلغل داخل الدول العربية لن تجلب لها الأمن والاستقرار والسلام، ما لم يتمتع الشعب الفلسطيني بكامل حقوقه وفقاً للقرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن.