الطريق- صالح موسى الحمزة
طالب الرئيسُ الأمريكي جورج دبليو بوش، طالبان بتسليم أسامة بن لادن، وطرد تنظيم القاعدة من أفغانستان، وكان بن لادن مطلوباً من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ عام 1998.
رفضت طالبان تسليمه، ما لم تُمنح ما اعتبرته دليلاً مقنعاً على ضلوعه في هجمات 11 سبتمبر، والحقيقة أنهم رفضوا ذلك من منطلق فقهي بحت، حيث إنهم لم يجدوا فتوى بجواز تسليم مسلم لكافر. وتجاهلت طالبان المطالب الأمريكية بإغلاق المعسكرات التدريبية لتنظيم القاعدة، وتسليم شخصيات أخرى مشتبه بها بمعزل عن بن لادن. رفضت الولايات المتحدة الطلب معتبرةً إيَّاه تكتيكَ مماطلة لا معنى لها، وشنت مع المملكة المتحدة عملية (الحرية الدائمة) في 7 أكتوبر 2001. وفي وقتٍ لاحق، انضمت قوات أخرى، من بينها قوات التحالف الشمالي على الأرض، إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
استطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إخراجَ حركة طالبان من السلطة سريعاً. وبحلول 17 ديسمبر 2001 ، بنت قواعد عسكرية بالقرب من المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد. ولم يُقبض على معظم أعضاء القاعدة وطالبان، بعد أن هربوا إلى باكستان المجاورة أو انسحبوا إلى المناطق الجبلية الريفية أو النائية في أثناء معركة تورا بورا.
النشأة والبداية:
نشأت الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية المعروفة باسم طالبان (جمع كلمة طالب في لغة البشتو) في ولاية قندهار، على الحدود مع باكستان عام 1994، على يد الملا محمد عمر مجاهد (1959-2013)، إذ رغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي، وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميراً لهم عام 1994.
ينتمي معظم أفراد حركة طالبان إلى القومية (البشتونية) التي يتركز معظمُ أبنائِها في شرق وجنوب البلاد، ويمثلون نحو 38% من تعداد الأفغان، البالغ نحو 39 مليون نسمة.
طالبان حركة إسلامية سنية، تعتنق المذهب الحنفي، وتعتبر الحكم الشرعي في مذهبها حكماً واحداً لا يحتمل الأخذ والرد حوله، ومن ثم يصبح تنفيذ الأحكام الشرعية لدى طالبان -حتى وإن كانت هناك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها- واجباً دينياً لا مفرَّ من تنفيذه.
مذهبهم في العقيدة، (ماتوريدية)، وإمامهم أبو منصور الماتوريدي، أحد أعلام أهل السنّة، ومذهبه قريب جداً من مذهب أبي الحسن الأشعري، على خلاف ما يتوهَّمُه بعض الناس عنهم، وهم في نظر القاعدة: مبتدعة لأنهم على خلاف المذهب السلفي المعروف اليوم.
تعلَّم أفراد الحركة في المدارس الدينية الديوبندية (نسبة إلى قرية ديوبند في الهند)، وتأثروا بالمناهج الدراسية لهذه المدارس؛ الأمر الذي انعكس على أسلوبهم في الحكم.
ركزت تلك المدارس على العلوم الإسلامية؛ كالتفسير والحديث والسيرة، إضافة إلى بعض العلوم العصرية التي مازالت تُدرَّس بطريقة تقليدية قديمة.
يتدرَّج الطالب في هذه المدارس من مرحلةٍ إلى أخرى، فيبدأ بالمرحلة الابتدائية ثمَّ المتوسطة فالعليا والتكميلية، وفي الأخير يقضي الطالب عاماً يتخصص فيه في دراسة علوم الحديث، وتسمَّى "دورة الحديث".
أثناء دراسة الطالب، تتغير مرتبته العلمية من مرحلةٍ إلى أخرى، فيُطلق عليه لفظ "طالب" الذي يجمع في لغة البشتو على "طالبان"، وهو كل من يدخل المدرسة ويبدأ التحصيل العلمي، ثمَّ "ملا"، وهو الذي قطع شوطاً في المنهج ولم يتخرج بعد، وأخيراً "مولوي"، وهو الذي أكمل المنهج وتخرج من دورة الحديث، ووضعت على رأسه العمامة وحصل على إجازة في التدريس.
وبالنظر إلى آلية التنظيم والقيادة، لا تتمتع حركة طالبان بتنظيم قوي، فليس عندها هيكل إداري واضح ولا لوائح تنظم شؤونها الداخلية وبرامجها، ولا برامج لتربية أعضائها، ولا حتى بطاقات عضوية توزع على الأعضاء لتسجيلهم.
وتقول طالبان إنَّها ليست حزباً مثل الأحزاب الأخرى؛ فهم لا يهتمون بالنظام الإداري التنظيمي، بل يريدون أن يخدموا الشعب كلَّه عن طريق تفعيل الدوائر الحكومية. ومع ذلك فإنَّ لهم هيكلاً شبه تنظيمي، يتمثل في: أمير المؤمنين، وهو الملّا (حالياً هو: هبة الله آخوند زاده)، ويتمتع بصلاحيات واسعة، ويلقَّب بأمير المؤمنين، وله حقوق شرعية فلا تجوز مخالفة أمره، كما لا يجوز عزله إلا إذا خالف التعليمات الدينية، أو عجز عن القيام بمسؤولياته، ويبقى في منصبه حتَّى الموت.
وللحركة مجموعةٌ من المجالس، تمارس من خلالها بعض الأمور التشريعية والإدارية بشكلٍ مبسط، خالٍ من الروتين والتعقيد، ولعلَّ أهمها:
- مجلس الشورى المركزي للحركة
ليس لهذا المجلس عدد ثابت وأعضاء معينون، وإن كانت الحركة في بداية تشكيله أعلنت أنه يضم 70 عضواً.
- مجلس الشورى العالي لحركة طالبان
تعد كل القيادات المعروفة داخل الحركة أعضاء في هذا المجلس، ولا يوجد أعضاء محددون له.
- دار الإفتاء المركزية
لها دور مهم وحساس، وتوليها الحركة اهتماماً زائداً، وتضم عدداً من العلماء لاستفتائهم في الأمور الشرعية، ومقرها قندهار، الموطن الأصلي لحركة طالبان ومقر إقامة الملا أمير المؤمنين.
يُضاف إلى ذلك: مجالس الشورى في الولايات (حكم شبه مركزي) فقد منح الملَّا صلاحيات واسعة للولاة، وشكّل كلُّ والٍ مجلس شورى له، تُناقَش فيه الأمور المتعلقة بإدارة حكومة الولاية، مع مراعاة الخطوط العريضة لمنهج الحركة.
رغم مجالس الشورى الكثيرة التي أنشأتها الحركة، فإنّها تؤمن بأنَّ الشورى معلمة وليست ملزمة؛ فالقرارات المهمَّة يتخذها الملّا بالاستئناس بآراء أهل الشورى، وله الحرية الكاملة في الأخذ بآراء مجلس الشورى أو رفضها.
وليست لحركة طالبان لائحة داخلية (نظام داخلي) تنظم شؤونها، ولا يوجد لديها نظام للعضوية، ومع ذلك فهي حركة متماسكة من الداخل، ويرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية الموحِّدة لعناصرها، إذ إنَّ معظمهم تخرج في مدارس دينية واحدة تنتمي إلى المدارس الديوبندية التي تعارض التيارات الفكرية التجديدية.
كما أنَّهم مخلصون لفكرتهم ومقتنعون بها، ويرون العمل من أجلها جهاداً في سبيل الله.
ويتمتع أمير الحركة بنوع من السيطرة الروحية على الأفراد الذين يعدون مخالفته معصية شرعية، وكان لعدم وجود شخصيات محورية ذات نفوذ قوي في الحركة أثر في استقرارها الداخلي، وساعد في ذلك أيضاً قيام الحركة بعقوبات فورية للمخالفين، وتغيير مستمر في المناصب حتى لا تتشكل جيوب داخلية في الحركة أو مراكز قوى، كما أنَّهم لا يقبلون أفراد الأحزاب الأفغانية الأخرى، خاصة في المناصب الكبيرة ومراكز اتخاذ القرار.
وترفض طالبان استعمال لفظ الديمقراطية، لأنّها "تمنح حق التشريع للشعب وليس لله". ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور أو لائحة لتنظيم شؤون الدولة، وترى أنَّ القرآن والسنَّة هما دستور الدولة الإسلامية.
وتعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة، ينتخبه أهل الحل والعقد، ولا توجد مدَّة محددة لتولي منصب أمير المؤمنين، ويتم عزله فقط في حالة العجز أو الموت أو إذا أتى ما يخالف الدين. والشورى كما تؤمن بها الحركة معلمة فقط وليست ملزمة، وتهتم الحركة اهتماماً كبيراً بالمظهر الإسلامي كما تتصوره، فتأمر الرجال بإطلاق اللحى ولبس العمامة، وتمنع إطالة الشعر وتحرم الموسيقى والغناء والصور، وتمنع عمل المرأة خارج بيتها، وتشرف على تنفيذ ذلك هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا تسمح الحركة بتشكيل أحزاب سياسية جديدة، ولا تقبل الأحزاب الموجودة، ويقول زعيم الحركة في ذلك إنَّه رفضها لأنَّها "تقوم على أسس عرقية وقبلية ولغوية، وهي نوع من العصبيات الجاهلية، الأمر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس".
وفيما يخص موقف الحركة من الدول المجاورة، يتفاوت موقف حركة طالبان من الدول المجاورة؛ فبالنسبة لإيران تميزت العلاقة بينهما بالتوتر الشديد، فالحركة تتهم إيران بالعمل على تصدير المذهب الشيعي إلى أفغانستان ودعم أحزاب المعارضة، في حين تتهمها إيران باضطهاد الأقلية الشيعية الموجودة هناك.
ولا يستبعد أن نرى في القريب العاجل انسحاب كتائب "فاطميون" و"زينبيون" وكثير من الكتائب الشيعية من سوريا باتجاه الحدود الإيرانية الأفغانية.
بالنسبة للموقف من الهند وروسيا وبعض دول آسيا الوسطى، فإنَّ هذه الدول لا تخفي قلقها من طالبان، وتعمل على دعم المعارضة؛ فالهند ترى أنَّ طالبان تشكل عمقاً استراتيجياً لباكستان، وتفتح أمامها أسواق آسيا الوسطى، في حين تخاف روسيا وحلفاؤها في آسيا الوسطى من نفوذ حركة طالبان والإسلام المتشدد، وطالبان بدورها لا تخفي عداءها لهذه الدول.
وبالنسبة لباكستان، فقد كانت الحركة تنظر إليها على أنَّها أقرب الدول إليها وأكثرها صداقة، إلى أن أعلنت إسلام آباد موافقتها على التعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضدَّ أفغانستان عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن، في 11 سبتمبر/أيلول 2001.
حركة طالبان أفضل من يمكن أن يحقق نوعاً من التوازن مع التغول الإيراني في البلاد العربية، وهذه نقطة جديرة بالاهتمام في هذه الظروف، ويحسب للطالبان قدرتهم على التماسك والوحدة، رغم كلِّ الظروف المتقلبة التي مرّوا بها منذ نشأة الحركة، بالإضافة إلى أنَّهم لم يظهروا إلى الآن أي رغبة في الانتقام من الجماعات التي قاتلتهم في السابق.
بعض الناس يحكمون عليهم من خلال زيهم، والحقيقة أنَّ هذا هو زيّ الأفغان التقليدي، خاصة بالنسبة لطلاب الشريعة.
أخيراً، إنَّ الذي يدل على مرونتهم وأنهم ليسوا مثل الجماعات التكفيرية؛ علاقاتهم الدولية وزياراتهم لكثيرٍ من الدول بشكلٍ معلن، وقبولهم مبدأ التفاوض علناً حتى مع أشد الناس عداوة لهم وفتكاً.