صحافة

عن الحظ العاثر لسوريا وثورتها

الجمعة, 17 مارس - 2023

ساطع نور الدين 


حتى في صيغة الماضي، بات استخدام عبارة الثورة السورية يحتاج الى جهد، يشبه العودة الى حدث جرى في أواسط القرن الماضي، أو حتى في أواخر القرن التاسع عشر، عندما لم تكن بلاد الشام قد ارتسمت على الخرائط، كدولة ثم دويلات، و عندما لم  يكن الطغيان  سوى عرفٍ مستوردٍ من الخارج، قبل ان يولد في ما بعد من رحمِ الوطنية المستحدثة..ويتحول الى قدر لا يُرد. 

مراجعة تجربة السنوات ال12 الماضية، لا تزال تحتمل الإقرار أولا، بأن الحظ العاثر للسوريين كان له أثرٌ بالغٌ في سقوط ثورتهم من الواجهة ، ثم من الذاكرة، وبسرعة مذهلة، تفوق السرعة التي سقطت فيها بقية ثورات الربيع العربي. التدخل العسكري المباشر من الخارج، وتحديدا من الايرانيين ثم الروس، كان ذروة التعبير عن ذلك الحظ السيء، الذي سبقه التمسك الاميركي العلني بنظام الاسد والحرص الاسرائيلي الشديد على بقائه، وما أنتجه ذلك من تخل عربي ، وتركي أيضا عن دعم أي مسعى للتغيير في دمشق. 

هكذا انتهت ومنذ أكثر من ثماني سنوات، قصة الثورة الشعبية، وسردية الصراع الأهلي مع النظام، الذي لا يزال يحتفظ ببعض أشكاله البدائية، الثأرية، في مناطق محددة من الجغرافيا السورية. وجرى في تلك الفترة الطويلة نسبياً، التسليم بأن سوريا شأن إقليمي ودولي أكبر من قدرة وإرادة أي تكوين سوري، وتحولت هزيمة الثورة، على يد النظام، قبل ان تكون على يد الايرانيين والروس، الى قضية من قضايا "النظام العالمي"، ينحدر ترتيبها على لائحة الاولويات العالمي بشكل يومي تقريبا. 

مسألة الحظ العاثر واقعية، وليست مؤشراتها كلها خيالية. لكن ثمة ما يفندها دائماً وهو أن خللاً عميقاً في التكوين السياسي السوري يتجلى اليوم ، في ذكرى مرور 12 عاماً على الثورة، بشكل محزن جدا: طي فكرة الثورة، واختزالها فقط باستعادة ذكريات النظام الوحشي، صارت مملة، لا سيما وأنها تغيّب جانبا مهما من ذلك السرد هو ان ذلك النظام يقف عند أدنى درجات قوته منذ قيامه في العام 1970، وهو في حالة انحدار دائمة، نتيجة اهتزاز عصبيته المبنية على وجود دولة ومؤسسات ودورة اقتصادية وعملة وطنية، لا تستدعي التسول الدائم من الخارج، لكي تبقى على قيد الحياة، تماما مثلما هو حال الدولة اللبنانية المتهالكة. 

نقطة أخرى تطعن سردية الحظ العاثر  اليوم بالتحديد، وهي أن الايرانيين والروس الذين تدخلوا عسكريا في سوريا في العام 2015 عندما لم يكن سقوط النظام سوى مسالة اسابيع حسب تعبير وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف والمستشار الايراني على اكبر ولايتي يومها، هم الآن في وضع سياسي وعسكري واقتصادي أشد صعوبة مما كانوا عليه قبل ثماني سنوات، وهو ما يتيح فرصاً سورية يمكن اقتناصها بسهولة، ومن دون حتى عناء التورط في قتال أو في أمن. 

لكن فكرة الهزيمة المطلقة والنهائية للثورة السورية، لم تعد قابلة للنقاش حتى، ولو كان يستند فقط الى الحد الادنى الذي يوفره موقف غربي يصر على محاسبة النظام جنائياً وإصلاحه سياسياً ، وهو موقف ما زال يعرقل الى حد بعيد زحف الانظمة العربية الشقيقة على دمشق، من أي شرط أو مطلب مسبق.. كما يستند الى الحد الادنى من الالتزام التركي، العملي والطبيعي، بسوريا آمنة، وراغبة في استعادة نازحيها ال11 مليون نسمة. 

في السنوات الماضية، كان هناك همٌّ سوري، نظري في الغالب، عنوانه تجديد الثورة، ولو من الشتات، ومن نقطة الصفر، على الاقل للاقتداء بتجربة الثورة الفلسطينية الاسطورية ضد المستعمر الاسرائيلي، أو للاحتذاء ب"الثورات" اللبنانية المتلاحقة على النظام اللبناني. اليوم، الهاجس السوري الوحيد، هو تحويل فرضية الحظ العاثر الى عقيدة لا يمكن نقضها، إلا بسقوط النظام الروسي والصيني والايراني..وتغير سلوك النظام الاميركي والاسرائيلي، مع أن ثمة دروباً أسرع وأسهل تؤدي الى التغيير في دمشق.  


المصدر: المدن

الوسوم :