صحافة

ماذا تعني الاتفاقية السعودية الإيرانية لسوريا؟

الثلاثاء, 14 مارس - 2023

محمود علوش 


أحدثت الاتفاقية التي أبرمتها السعودية وإيران لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما بوساطة صينية هزة في الجغرافيا السياسية الإقليمية. 

وبالنظر إلى أن البلدين انخرطا منذ عقود في صراع على النفوذ بالمنطقة، فإن أي تحول في العلاقات بينهما من شأنه أن يؤثر على مسار القضايا الإقليمية التي يلعبان دوراً بارزاً فيها. 

قبل كل ذلك، من غير الواقعي الاعتقاد بأن الاتفاقية ستُحدث تغييراً جذرياً وفورياً في العلاقات السعودية الإيرانية لاعتبارين أساسيين: 

    أولاً، نصت الاتفاقية على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض في غضون شهرين، ما يعني أن مُهلة الشهرين ستكون اختباراً لحسن النوايا بين الطرفين.

    ثانياً، ركزت بنود الاتفاقية بشكل أساسي على الأبعاد الثنائية في العلاقات كمسألة العلاقات الدبلوماسية والتعاون الثنائي في مجال الأمن والاقتصاد والتجارة من دون أن تتطرّق بوضوح إلى الأبعاد الإقليمية الأكثر تأثيراً على ديناميكية التوترات بينهما. 

على سبيل المثال، أعرب البلدان عن حرصهما على بذل كل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي، لكنّهما تجنّبا الخوض علناً في قضايا حساسة كمستقبل البرنامجين النووي والصاروخي لإيران وعلاقة طهران بوكلائها الإقليميين كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق. مع ذلك يُنظر إلى النقطة المتعلقة بالأمن الإقليمي على أنها إشارة لرغبة الجانبين في التعاون لتهدئة الخلافات الإقليمية وإدارتها بما يعود بالنفع على كليهما. 

على افتراض أن البلدين سينجحان في اختبار الشهرين لتفعيل بنود الاتفاقية، فإن الآثار الإقليمية المترتبة عليها ستكون كبيرة. يُمكن توقع أن أكثر التأثيرات المتوقعة ستبرز في ملف اليمن. 

من المرجح أن تنخرط الرياض وطهران في مساع مشتركة لإنهاء الحرب في اليمن بما يشمل ممارسة إيران ضغوطاً على الحوثيين لإقناعهم بإبرام اتفاق سلام يُنهي الحرب ويُعالج التهديدات التي يُشكلها الحوثيون للأمن السعودي والخليجي عموماً. 

بدرجة أقل، يُعتقد أن تحوّل العلاقات السعودية الإيرانية سينعكس انفراجاً على الأزمة السياسية في لبنان. وفي العراق بطبيعة الحال، فإن تقارباً سعودياً إيرانياً سيُساعد بغداد في تكريس العلاقات المتوازنة التي تسعى لإقامتها بين جيرانها العرب وطهران. 

مع ذلك، فإن تساؤلاً مهماً يدور حول التأثير المحتمل للتقارب الإيراني السعودي على مسألة إقليمية مهمة هي سوريا. هناك سببان رئيسيان يدفعان للتقليل من تأثير أي تحول سعودي إيراني على مسار الصراع السوري: 

    أولاً، على عكس القضايا الإقليمية الأخرى كاليمن ولبنان، والتي تلعب فيها إيران والسعودية دوراً رئيسياً، فإن الدور السعودي في سوريا يبدو محدوداً مقارنة بالدور الإيراني.

    ثانياً، يلعب السياق الإقليمي والدولي المرتبط بإيران وتركيا وروسيا دوراً رئيسياً في تشكيل خريطة التأثير الإقليمي والدولي في سوريا. 

وبالتالي فإن هذا السياق سيبقى مؤثراً بشكل أكبر على ديناميكية الصراع بمعزل عن السياقات الإقليمية الأخرى كالعلاقات الإيرانية والسعودية والانفتاح العربي المتزايد على نظام بشار الأسد. 

مع ذلك، يُلاحظ أن السياق الإقليمي الجديد الذي ينشأ في سوريا والمتمثل بالتحولات التي تطرأ على مواقف الدول العربية تجاه نظام الأسد، يعمل على خلق هامش له لمنافسة السياق التركي الروسي الإيراني. 

في ضوء ذلك، فإن التأثيرات المحتملة للتقارب السعودي الإيراني على سوريا يُمكن أن تظهر بشكل جزئي في السياق الإقليمي الجديد. قبل إبرام الاتفاقية السعودية الإيرانية، كانت الرياض قد بدأت بالفعل في إعادة تشكيل سياستها في سوريا وأعربت عن رغبتها في الانفتاح على الحوار مع النظام السوري لمعالجة الجوانب الإنسانية المرتبطة بالصراع وهو الدافع الرئيسي الذي قدمته المملكة العربية السعودية لتبرير تغيير سياستها تجاه النظام. 

وبالتالي، فإن مسار الانفتاح السعودي على دمشق يمضي بمعزل عن الحالة الجديدة في العلاقات السعودية الإيرانية. ويرجع ذلك إلى اعتقاد الدول العربية بما فيها السعودية بأن الانكفاء العربي عن سوريا خلال السنوات الماضية أدى إلى تهميش الدور العربي ومساعدة القوى الإقليمية المنافسة كإيران في تعزيز حضورها السوري. 

في ضوء التحولات الجذرية التي طرأت على العلاقات التركية العربية في العامين الأخيرين، فإن الأولويات العربية في سوريا باتت تتركز بشكل أساسي على كيفية الحد من التأثير الإيراني في سوريا ودفع الأسد إلى تقليص اعتماده على طهران، ومن غير المرجح أن يدفع التحول الجديد في العلاقات السعودية الإيرانية بالرياض إلى قبول التعايش مع الدور الإيراني في سوريا على المدى البعيد. 

في غضون ذلك، فإن تركيز الأولويات السعودية على إنهاء الحرب المنهكة لها في اليمن، يجعلها أكثر اهتماماً بأن تلعب إيران دوراً لمساعدتها في دفع الحوثيين إلى طاولة المفاوضات لإبرام اتفاق سلام، وهو ما يُشير إلى أن طهران لن تجد حاجة إلى تقديم تنازلات للسعوديين في سوريا من أجل إصلاح العلاقات. 

كما أنّه على عكس الصراع اليمني الذي تعاملت معه إيران كفرصة لممارسة مزيد من الضغط الإقليمي على السعودية، فإن سوريا تكتسب أهمية كبيرة للمشروع الإقليمي الإيراني كونها تُشكل أحد وصلات الممر البري للوصول إلى البحر المتوسط وتزويد حزب الله بالأسلحة، وبالتالي، فإن النفوذ الإيراني في سوريا لن يكون مطروحاً على طاولة التفاوض الإقليمي مع السعودية. ومع ذلك، فإنه سيكون بمقدور الرياض اشتراط مساهمتها في إعادة إعمار سوريا وإعادة تأهيل نظام الأسد عربياً بتوافق مع الإيرانيين على تقاسم النفوذ في سوريا بعد الحرب. 

وكما أدى التعاون السعودي السوري إلى إبرام اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، فإن تعاوناً سعودياً إيرانياً في سوريا يُمكن أن يؤدي إلى نتيجة مشابهة. لكنّ حقيقة أن السياق التركي الروسي الإيراني يبقى مؤثراًُ بدرجة أكبر في ديناميكية النفوذ الإقليمي على سوريا، تجعل من الصعب على إيران والسعودية الوصول إلى تسوية لتقاسم النفوذ في سوريا بمعزل عن مصالح اللاعبين الآخرين كتركيا وروسيا. 

من غير المرجح أن تتأثر خريطة النفوذ الإقليمي على سوريا بشدة فيما لو نجحت إيران والسعودية في ترجمة الاتفاقية بينهما إلى إقامة علاقات ودية والتخلي عن سياسات التنافس الإقليمي السابقة. لكنّ ذلك، يُمكن أن يُساعد نظام الأسد في إقامة علاقات متوازنة بين طهران والدول العربية. 

في الواقع، لن تؤدي مثل هذه النتائج سوى إلى إعادة تأهيل نظام الأسد والحد من أي فرصة لإحلال سلام حقيقي في سوريا. علاوة على ذلك، فإن حدود الانفتاح السعودي والعربي على النظام السوري ستبقى مكبلة بالموقف الأميركي والغربي الرافض لإعادة تعويم نظام الأسد دولياً، ما يُقلص من قدرة الدول العربية على القيام بمبادرات عملية يُمكن أن تؤدي إلى إحداث تحول كبير في ديناميكية الصراع السوري والموقف الإقليمي. ومن غير المرجح أن تُقدم الدول العربية على الانخراط في جهود إعادة إعمار سوريا في حال استمرت العقوبات الأميركية والغربية على نظام الأسد. 

أخيراً، فإن حقيقة أن الأسد لا يمتلك القدرة على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا حتى لو امتلك الرغبة تجعل الرهان العربي في الانفتاح عليه محفوفاً بمخاطر تُبدد بشكل كبير أي فوائد محتملة تتطلع إليها الدول العربية. ومن المفارقات أن الانفتاح العربي على الأسد، وإن كان دافعه الرئيسي تقليص اعتماد الأسد على طهران، يُساعد في الواقع إيران في الحفاظ على دورها في سوريا من دون أن تضطر إلى تقديم تنازلات مقابل إعادة تعويم الأسد. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :