صحافة

الصديق الإيراني وقت الضيق الروسي

الثلاثاء, 22 نوفمبر - 2022

بسام مقداد 


يلتزم الرسميون الروس الصمت بشأن التعاون العسكري مع إيران، على الرغم من كل ما ينشره الإعلام عن تطور هذا التعاون بعد شن بوتين حربه على أوكرانيا. وفي حين يشيد إعلام الكرملين  بشكل عام  بتطور التعاون بين إيران وروسيا ويصمت عن الجانب العسكري فيه، يتداول الإعلام الغربي ما يقول بأنه إنشقاق بين ملالي إيران بشأن التعاون العسكري مع روسيا. فقد نقلت الإسبوعية الأوكرانية Zn في 7 الجاري عن الغارديان قولها بأن إنشقاقاً ترتسم معالمه في إيران بسبب إمداد روسيا بالمسيّرات. 

وحسب الأسبوعية الأوكرانية، ترى الغارديان أن النقاش حول المسيّرات يعكس ما يدور في طهران من جدل بشأن السياسة الخارجية، وخاصة بشأن المخاطر التي يخلقها تطوير علاقات أوثق مع موسكو. ومن غير المعتاد أن ينتقد الحكومة رجل دين محافظ ومحرر في صحيفة. فقد قالت الصحيفة بأن رجل الدين مسيح مهاجري نشر مقالة في الصفحة الأولى من صحيفة "جمهوري إسلامي" أشار فيها إلى ثلاثة أمور كان يجب على الحكومة الإيرانية أن تقوم بها. أول هذه الأمور هو أن تنصح روسيا بالإمتثال للقواعد الدولية التي تحظر الإستيلاء على أراضي الغير. ثانياُ، القول لروسيا بأنها لا تملك الحق بإستخدام المسيّرات الإيرانية في الحرب مع أوكرانيا. ثالثاً، الحفاظ على علاقات أقوى مع الدولة التي تتعرض لهجمات المسيّرات. 


وتنقل الغارديان مقاطع من مقالة مهاجري، حيث يتوجه في أحدها إلى وزير الخارجية الإيراني بسؤاله " لماذا لم تعلن لروسيا بعد بدء الحرب ضد أوكرانيا أنه لا يحق لها استخدام المسيّرات الإيرانية؟ علاوة على ذلك ، لماذا لم تقم بإدانة روسيا علانية لشن هذه الحرب، ولماذا لم تكثف الجهود لمساعدة الأطراف على إنهاء هذا الشر؟" 

وفي مقطع آخر من المقالة يتوجه فيه مهاجري إلى وزير الخارجية أيضاً، ويقول بأن الوقت لا يزال متاحاً لتغيير السياسة تجاه الحرب في أوكرانيا. ويخاطب الوزير بقوله "لا تضع كل بيضك في السلة الروسية. هذه الطريقة تتعارض مع نهج "لا شرق ولا غرب" في جوهر السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية ". ويرى أن "أقل ما يمكن أن تفعله إيران حيال الحرب في أوكرانيا هو التفاوض أولاً مع كلا الجانبين من خلال تشكيل لجنة تفاوض لمساعدتهما على التوصل إلى وقف لإطلاق النار ووقف الحرب؟. 

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني، وبوجود نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين إلى جانبه، أكد أوائل الجاري حقيقة إمدادات المسيّرات الإيرانية إلى روسيا، تنقل الغارديان عن السفير الإبراني السابق في موسكو نعمت الله إزادي شكوكه في وجود "التعاون المناسب" بين العسكريين والجناح الدبلوماسي في طهران، لذا من المحتمل أن الخارجية الإيرانية لم تكن، برأيه، على علم بالأمر. وتشتبه الصحيفة بأن يكون فريق في الحكومة الإيرانية أراد أن يحقق مكاسب من بيع المسيّرات لروسيا. ويقول السفير السابق بأنه " يبدو أننا تعرضنا لخداع روسي ، وهو في رأيي لا يخدم مصالحنا القومية إطلاقا". 

أواخر الشهر المنصرم نشر موقع Carnegie Politika نصاً بعنوان "صديق بالعقوبات. ماذا سيعطي روسيا التقارب مع إيران". يرى كاتب النص أن العلاقات الروسية الإيرانية أخذت تتطور بسرعة بعد الحرب الأوكرانية. ورداً على العقوبات الغربية، إنشغلت روسيا بالبحث عن شركاء بديلين، بما في ذلك للتحايل على العقوبات التجارية، وبدت إيران واحدة من أكثر الدول الواعدة. وكان إستخدام روسيا للمسيّرات الإيرانية ضد أوكرانيا الحدث الأكثر إثارة للضجة في تعاون البلدين، لكن طموحات الفريقين لا تقف عند هذا، بل برزت مشاريع مشتركة في مختلف الميادين: من إستخراج الغاز حتى صناعة الطائرات. لكن المشاريع الكبيرة تعترضها حقيقة أن الإمكانيات محدودة لتطوير التعاون الروسي الإيراني. ومن المستبعد أن تتمكن إيران من المساعدة الجدية في تمكين الإقتصاد الروسي من التحايل على العقوبات، والأزمة الداخلية العميقة تجعل من الصعب تنفيذ أية إتفاقيات مع القيادة الإيرانية. 

ردت موسكو على الحملة الغربية لعزلها بعد حربها على أوكرانيا بالتقرب من الأنظمة المعادية للغرب تقليدياً. وضرب رقماً قياسيا عدد اللقاءات على مستوى رفيع بين كبار المسؤولين الروس والإيرانيين في العام 2022. فخلال أشهر قام بزيارات لطهران نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك ووزير الخارجية سيرغي لافروف وعدد من قادة المناطق الروسية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه. 

كلام كثير قيل في اللقاءات حول إمكانية التحايل على قيود العقوبات بمساعدة إيران. وهو في جزء منه موجه للتأثير على الداخل والرغبة في مخاطبته بالقول أن روسيا لا تعاني أية عزلة. لكن الكلام الكبير ترافق مع إتفاقيات حقيقية. فمن المتوقع أن يستثمر "غازبروم" 40 مليار دولار في قطاع النفط والغاز الإيراني، وسوف تستورد روسيا السيارات الإيرانية وقطع الغيار، وكذلك قطع غيار الطائرات. كما توسع النقل الجوي بين البلدين، وبدأت بتنظيم الرحلات الجوية المباشرة الشركة الروسية Red Wings، إضافة إلى رحلات أيروفلوت الروسية و Mahan Air الإيرانية. 

ويقول الكاتب أنه، حتى لو كانت صحيحة التوقعات بشأن نمو التبادل التجاري بين البلدين، فإن حجمه الحقيقي هو أقل من 1% من الحجم الإجمالي للتجارة الخارجية الروسية. وإيران بعيدة عن مؤشرات التجارة مع تركيا على سبيل المثال، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري الروسي معها 30 مليار دولار سنوياً. وبكلام آخر، التوجه نحو إيران لن يتمكن من رفع المداخيل الروسية التي إنخفضت بفعل العقوبات. 

وبشأن إستيراد قطع غيار الطائرات، يصف الكاتب الفكرة بأنها "جد غريبة"، فالطيران المدني الإيراني نفسه يعاني من الأزمة بسبب العقوبات. بعض قطع الغيار التي تنتجها إيران يمكن توريدها لروسيا، لكن الإتفاقية المبرمة بهذا الشأن منذ فترة قريبة، لن تتمكن الصناعة الإيرانية من تنفيذها. 

وفي مجال السيارات، يقول الكاتب بأن إيران تعرض بالأساس موديلات قديمة من السيارات الفرنسية، والصناعة عينها تمر بأوقات عصيبة. فليس صدفة أن تقرر إيران هذه السنة التخلي عن إنتاج عدد من الموديلات، وتلجأ إلى الإستيراد لتلبية حاجة السوق الداخلي. ومشاكل السيارات الإيرانية تتلخص في  الإستهلاك الكبير للوقود وضعف أجهزة الأمان والبيئة وإرتفاع أسعارها بالمقارنة مع الموديلات الأجنبية المشابهة. 

ويرى الكاتب أنه لن يكون من السهل تنفيذ المشاريع الروسية الحكومية الكبيرة في إيران. فلا تزال ربحية الإستثمارات ضعيفة، وإيران تعاني من نقص العملات الصعبة، وتصطدم سنوياً بعجز الموازنة. وقد خلق هذا الوضع صعوبات لموسكو في السابق، فالجانب الإيراني لم يحل حتى اليوم مسألة الدين الروسي مقابل محطة الطاقة النووية في بوشهر، والذي بلغ حتى السنة الماضية حوالي 500 مليون دولار. وكان من المزمع بناء محطة كهربائية  في سيريك، وكذلك كهربة السكك الحديدية الإيرانية بمساعدة قرض روسي بقيمة 5 مليارات دولار. وإذا كانت روسيا تسعى لزيادة تأثيرها السياسي، فقد تكون مبررة مثل هذه المقاربة للعلاقات مع إيران. لكن لا يبدو مطلقاً أن المقاربة قادرة على إنقاذ الإقتصاد الروسي. 

كذلك الأمر في ما يتعلق بممر "الشمال ــــ الجنوب" الذي ينبغي أن يربط روسيا بالخليج والمحيط الهندي، حيث موسكو مستعدة لإتمام مد الجزء الإيراني المتبقي من خط السكك الحديدية. لكن من الصعب الإتكال على مساعدة إيران في تحديث البنية التحتية في البلاد. 


المصدر: المدن

الوسوم :