رأي

إدلب من جديد

الثلاثاء, 12 أكتوبر - 2021

الطريق- درويش خليفة


تزامناً مع العام الرابع لتدخل القوات التركية في شمال غرب سوريا، وتحديداً في قطاع إدلب الذي يشمل أيضاً جزءاً من ريف حلب الغربي، تتصاعد تصريحات ودعوات النظام السوري للمطالبة بخروج القوات التركية من سوريا، ليتمكن من الانقضاض على هذا القطاع وإعادته إلى سيطرته، بعد أن أخذ جرعة من التفاؤل مع داعميه من خلال إعادة مناطق واسعة في درعا إلى سلطته. بالإضافة إلى فتح الأردن حدوده البرية أمام قوافل النظام والشاحنات التجارية. وبالتالي، فإن جميع دول الجوار (لبنان، العراق، الأردن، إسرائيل جبهة باردة منذ 48 عاماً) أصبحت منفتحة على النظام باستثناء تركيا الجارة الشمالية لسوريا.

تشكل إدلب اليوم حالة من التعقيد السياسي والعسكري، وربما في الآونة الأخيرة، الإغاثي؛ بسبب تعارض الرؤى بين الجانبين الروسي والتركي، على الرغم من إدراج "هيئة تحرير الشام" على لوائح الإرهاب في البلدين، وهو الفصيل المسيطر على المنطقة هناك. بالإضافة إلى وجود فصيل أقل عدداً وتسليحاً "جبهة تحرير تركستان الشرقية" الأمر الذي دفع بالصين إلى مراقبة الأوضاع في إدلب عن كثب وحرص شديدين.

من جهته، يتحدث النظام وحلفاؤه عن قرب عملية عسكرية على إدلب، حتى وصل بهم الأمر إلى أن يصرِّح المسؤول العام لـ «لواء الباقر «الحاج خالد، بأنَّ معركة إدلب على الأبواب وقد تنطلق في أي لحظة. هذا ما يشير إلى أنّ إيران وميلشياتها المحلية، هي من تنسِّق للمعركة قبل النظام وفرقه العسكرية، الأمر الذي يدل على أهمية المعركة بالنسبة للجانب الإيراني، رداً على دور الحكومة التركية في جنوب القوقاز ووقوفها إلى جانب حكومة الرئيس الأذربيجاني «إلهام علييف» في الخلاف الدائر مؤخراً بين طهران من جهة وباكو من جهةٍ أخرى.

تعبِّر الحشود العسكرية والمعدات اللوجستية التي تستقدمها الحكومة التركية إلى إدلب، عن الأهمية الاستراتيجية والأمنية لهذه المنطقة بالنسبة للأتراك، وتضع محددات للعلاقات التركية -الروسية في سوريا، فضلاً عن الحفاظ على سمعة أنقرة خارج حدودها. لكن الشريك الروسي للرئيس التركي في مساريّ أستانا وسوتشي لم يتمكن من منع سقوط درعا بأيدي النظام والميلشيات المساندة له قبل شهرين من الآن، بعد إبرام اتفاق رباعي مع الولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى الأردن في أغسطس/ آب عام 2018، بهدف إعادة الاستقرار إلى جنوب سوريا، وبقاء مناهضي الأسد في مناطقهم، على عكس ما حدث في مناطق أخرى كانت تخضع لسيطرة الفصائل الثورية، حيث قامت قوات النظام بترحيلهم إلى الشمال السوري.

حتى اللحظة لا توجد مؤشرات معركة قريبة، سوى بعض الخروقات التي لم تتوقف منذ لحظة اتفاق بوتين – أردوغان في 5 مارس/ آذار من العام الماضي، لاسيَّما وأنَّ الجولة السادسة من أعمال اللجنة الدستورية السورية على الأبواب، العملية التي ترعاها الأمم المتحدة بمساعدة من مثلث محور أستانا التي تشكل روسيا وتركيا الضلعين المتساويين فيها.

وفي حال كانت النية الروسية متوافقة مع نوايا النظام وحلفائه من قبله وبعده بشن عملية عسكرية على إدلب، فليس هناك من داعٍ وقتها لإرسال وفد النظام إلى جنيف للتفاوض مع المعارضة على دستور جامع للبلاد، لأنه في هذه الحالة تنحصر القوات التركية وحلفاؤها من الجيش الوطني المعارض في المناطق المحاذية للحدود الجنوبية من تركيا. بحيث تبقى العثرة الأكبر أمام النظام والروس، متمثلة بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة أمريكياً في شمال شرق سوريا، وهي المنطقة الزاخرة بالموارد الطبيعية والحبوب والمعابر البرية مع العراق حليف النظام السوري والإيراني.

من هذا المبدأ، يجب عدم إغفال التصريحات المتواترة للأمريكيين التي تدعو للانسحاب من سوريا، الأمر الذي يشكل حافزاً عند النظام وداعميه للقضاء على كل القوى المناهضة لحكمه والتفرغ للفصائل المدعومة تركياً، ولاسيَّما أولئك الذين ما زالوا يطالبون بإسقاط النظام. 

وبالفعل فإنّ أيّ انسحاب أمريكي، من أي منطقة يتواجد فيها جندي أمريكي واحد، يضع الجانبين الروسي والتركي في خانة المتصارعين على الجغرافية السورية.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن استبعاد قضم البلدات الملاصقة لمناطق الموالاة للأسد في الريف الغربي من إدلب، مثل جسر الشغور، بالرغم من تركيز الروس على تطبيق الاتفاق بإبعاد الفصائل المسلحة مسافة 6 كيلو متر عن الطريق الدولي M4.

إذاً؛ أصبح ملف إدلب معلقاً بين طموح الأسد المتصاعد بالسيطرة على المزيد من المناطق التي خسرها لصالح فصائل المعارضة، وبين المصالح الروسية التركية التي تفرعت في مناطق عديدة من الإقليم، بدءاً من سوريا وليبيا على ضفاف البحر المتوسط وليس انتهاءً في أذربيجان وجزيرة القرم.