رأي

"كبسة زر" الجولاني.. نحو إعزاز؟

الثلاثاء, 2 مايو - 2023

الطريق- إياد الجعفري


يعتقد كثير من المراقبين للأوضاع السياسية والميدانية بشمال غرب سوريا، أن المنطقة مقبلة على تصعيد عسكري جديد، بين الفصائل التي تُعد محسوبة –نظرياً- على "الثورة". وأن هيئة "تحرير الشام" قد تكون بصدد محاولة توسع عسكري مباشر، خلال فترة انشغال تركيا بالانتخابات الرئاسية والنيابية، منتصف الشهر الجاري. وأن الهدف سيكون تحديداً، مدينة إعزاز. 

ولا تنطلق توقعات هؤلاء المراقبين من فراغ، إذ عملت "تحرير الشام" خلال الأشهر القليلة المنصرمة على اختراق القوى الميدانية التي تسيطر على إعزاز ومحيطها، وشراء ولاءات وتجنيد حلفاء، بانتظار "ساعة الصفر"، حسب وصف إحدى التقارير الإعلامية التي تحدثت عن هذا الاحتمال المرتقب.

لذلك، كان حديث أبو محمد الجولاني، قائد الهيئة، -قبل أيام-، عن قدرته على تغيير الموازين، بكبسة زر، مصدر استفزاز لقادة مناوئين لمشروع الهيئة، في "الجيش الوطني"، بصورة خاصة. إذ لا تبدو أن إشاراته إلى "التسخين" و"قلب الطاولة" وصولاً إلى "الانفجار الكامل"، تستهدف نظام الأسد وقواه العسكرية المرابطة على حدود مناطق سيطرة الهيئة في إدلب. حتى مع زيادة معدل العمليات الانغماسية التي ينفذها مقاتلو الهيئة ضد قوات النظام، منذ تصاعد مسار "التطبيع" التركي – الأسدي، نهاية العام المنصرم، دون أن تؤدي هذه العمليات إلى أية نتائج ميدانية ذات قيمة. فقيمتها المُرادة، إعلامية وسياسية. إذ إن قائد "تحرير الشام" يريد تقديم نفسه للجمهور المناوئ للنظام، بوصفه قائد الفصيل الأكثر قدرة على عدم الانصياع للإرادة التركية، في حال أرادت الذهاب أبعد، في مساعيها للتصالح مع الأسد. 

إشارات الجولاني التي ألمح فيها إلى قدرته على التصعيد، تستهدف كما كان واضحاً من ردود الفعل، فصائل "الجيش الوطني" المحسوب على تركيا، في شمالي حلب، أو بعضها على الأقل، من تلك التي لم يتمكن من اختراقها، بالصورة التي يأمل.

لذلك، جاء تحذير "علماء مدينة إعزاز" في بيان مصوّر من مخطط مرتقب للجولاني، لخلط الأوراق في ريف حلب الشمالي، والقيام بعملية للسيطرة على المنطقة، بتنسيق مع بعض المجموعات المسلحة هناك.

وتبدو إعزاز، دُرّة تاج الريف الحلبي "المحرّر"، التي يصبو إليها الجولاني. فهي ستجعله على مقربة من أهم معبر حدودي مع تركيا –باب السلامة-، ليضيفه إلى المعبر الآخر الذي يحكم السيطرة عليه –باب الهوى-. كما أنها معقل مؤسسات "الحكومة المؤقتة" و"الائتلاف الوطني" و"المجلس الإسلامي". أي أن سقوط إعزاز في قبضة الجولاني، تعني رمزياً عى الأقل، نهاية المشروع الآخر المناوئ للنظام، والمنافس لمشروع هيئة "تحرير الشام". ليبقى الأخير، وحده، الذي يراهن على اجتذاب الحاضنة الشعبية الرافضة للمصالحة مع الأسد، فيحوز كل الأوراق التفاوضية بوصفه الناطق الوحيد باسمها -"الثورة"-، تلك التي لم يكن، في سنوات صعوده الأولى، يعتبرها غايته وفق خطابه الرسمي، في ذلك الحين.

وقد ذهب الجولاني بعيداً، في التحضير لهذه اللحظة، إذ تمكن من استمالة قوى مجتمعية ومسلحة في إعزاز ومحيطها، أبرزها ما يُعرف بـ "تجمع الشهباء". بل وذهب قياديون من "لواء عاصفة الشمال"، الفصيل الأقوى داخل المدينة، للتفاوض مع الجولاني، وفق مصادر وتسريبات، نفاها قادة اللواء، فيما دعمتها الوقائع على الأرض. إذ بات الجولاني قادراً، عبر حلفائه داخل المدينة، على اختلاق التوترات الميدانية، وقض مضجع المدينة وسكانها. في وقتٍ يزداد الحنق الشعبي هناك، على التوجه التركي نحو التفاوض مع الأسد، الذي يراه الجمهور في تلك المنطقة، طعناً بالظهر.

ويوحي الظهور الأخير، والمريح للجولاني، برفقة رئيس حكومة الإنقاذ، ورئيس مجلس الشورى العام، بإدلب، في لقاء مع وجهاء وقيادات مجتمعية، بأن قائد هيئة "تحرير الشام"، يتمتع بضمانة على حياته، وأنه لا يشعر بخطر الاستهداف من قوة عسكرية خارجية، تركية كانت أم روسية أم "أسدية". وكأن الرجل الذي يقول إنه يمثّل اليوم وحده "الثورة"، قيض له بالفعل، تمثيلها، بإرادة خارجية، وعلى وقع مسار تفاوضي إقليمي وعربي مع نظام الأسد، من المرجح أن يرافقه خضّات ميدانية تعبّر عن اصطراع أجندات القوى الفاعلة على التراب السوري.