رأي

في "الاستدارة" السعودية نحو الأسد

الخميس, 23 فبراير - 2023

الطريق- إياد الجعفري


نظر محللون ونشطاء معارضون إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، قبل يومين، بوصفها، "استدارة" نحو النظام السوري، وباعتبارها "حدثاً جللاً"، يعبّر عن تغيّر موقف أمريكا وإسرائيل والعرب جميعاً، من قضية التطبيع مع بشار الأسد.. فهل تحتوي تلك التصريحات، بالفعل، ما يتيح للمحلل الذهاب إلى تلك النتائج القصوى؟ وكيف يمكن الاستفادة من خلاصات المحاولات التجريبية السابقة للتطبيع بين السعودية والأسد، في توقع ما يمكن أن يحدث في الفترة القادمة؟ وما علاقة إسرائيل والغرب في كل ذلك؟ 

ولنبدأ بالتصريحات ذاتها، التي أطلقها الوزير السعودي على هامش منتدى ميونيخ للأمن، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية: لا جدوى من عزل سوريا (النظام)، وأن الحوار مع دمشق (الأسد) مطلوب في "وقت ما" حتى يتسنى معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين، وأنه في ظل غياب سبيل لتحقيق "الأهداف القصوى" من أجل حل سياسي، فإن نهجاً آخر "بدأ يتشكل" بوصفه "إجماعاً" يتزايد ليس فقط بين دول الخليج، بل أيضاً، بين الدول العربية، بأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار. 

ويمكن الإقرار بالفعل، أن تلك التصريحات تعبّر عن تغير في السياسة المُعلنة للسعودية، حيال نظام الأسد، مقارنة بالفترة السابقة. لكنها، لا تمثّل تغيّراً عن تلك السياسة المُضمرة، التي كانت تتسرب المعلومات بخصوصها من وراء الكواليس، منذ لقاء مسؤوليَ الاستخبارات السعودي و"الأسدي"، في دمشق، في أيار 2021، وحتى قبيل تلك الفترة، حينما كان يتم الحديث من حين لآخر، وعلى مدى السنوات الثلاث الأخيرة، عن احتمالات حصول انعطافة سعودية نحو الأسد، تعبيراً عن رغبة جليّة لدى صانع القرار السعودي، في سبر إمكانية التفاهم مع دمشق حول نقاط الاهتمام المشتركة. 

هل تعبّر تصريحات وزير الخارجية السعودي عن "إجماع عربي"؟ جاء الرد في تقرير "رويترز"، الذي تحدث عن التصريحات ذاتها، إذ أورد تعليقاً لوزير الخارجية الكويتي، يؤكد أن موقف الكويت –كمثال-، لم يتغير حيال نظام الأسد. كذلك، لا يوجد ما ينبئ بأن موقف قطر قد تغير. والأهم من كل ذلك، لا يوجد ما ينبئ أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، ومعظم الدول الأوروبية، قد تغير. بل انطلقت حملة من سياسيين ومشرعين أمريكيين، تحذّر من أن تصبح مساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، مدخلاً لإعادة تأهيل الأسد. حتى أن الرخصة التي أصدرتها الخزانة الأمريكية، لرفع العقوبات عن جانب من النشاطات المالية والإغاثية إلى سوريا، لم تسلم من هجمات ساسة مؤثرين في العاصمة الأمريكية واشنطن. وهو ما يؤكد أن النخبة الأمريكية لم تغيّر موقفها، بل على العكس، ساعدت الأنباء والصور والفيديوهات الواردة من سوريا، عن سرقة المساعدات والفساد الهائل في توزيعها، في دعم أصوات منتقدي التعامل مع الأسد بحجة إغاثة المتضررين. 

وبالعودة إلى تجارب "التطبيع" السابقة بين السعودية والأسد، على مدار السنوات الثلاث السابقة، فقد باءت بالفشل، وتحولت السعوية منذ نهاية العام 2021، وخلال العام 2022، إلى أشد المناوئين لعودة النظام إلى عضوية جامعة الدول العربية، مما يؤكد أن الحوار السعودي – الأسدي، الذي كان قد حدث بالفعل، خلص إلى خاتمة غير مرضية للسعوديين. 

وبالعودة إلى تصريحات الوزير السعودي، فإنه يشير إلى "حوار"، وفي "وقت ما". مما يعني أن ما يحدث الآن، استغلال سعودي لكارثة الزلزال، لإعادة جس نبض نظام الأسد، علّه يقدم التنازلات المأمولة سعودياً، التي سبق أن رفض تقديمها سابقاً. 

فما هو المطلوب سعودياً؟ بإيجاز، يمكن الرهان على أن الهم السعودي الأبرز في الساحة السورية، هي إيران. وهي المعضلة التي سبق أن أجهضت كل محاولات التطبيع العربي – "الأسدي". بل وكل محاولات التطبيع الإسرائيلي – "الأسدي"، والغربي – "الأسدي"، أيضاً. فما الذي تغيّر الآن؟ ببساطة، ما تغيّر تطور جديد يزيد من وقع الانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرة النظام، جراء الأضرار الاقتصادية بعيدة المدى للزلزال، وما تريده دول كالإمارات والسعودية، أن تختبر إلى أي حد يمكن لهذا الانهيار أن يشكل عامل ضغط على نظام الأسد في دمشق، كي يبتعد خطوات أكثر، بعيداً عن طهران. وهو ما يعني أن التطبيع العربي – "الأسدي"، محكوم بالفشل، إن لم ينجح الأسد في تحقيق تطلعات بعض "العرب" في إبعاده عن طهران. فهل يستطيع الأسد، حتى لو أراد، الابتعاد حقاً عن طهران؟ وهل يمكن لدول الخليج، وفي مقدمتها الإمارات والسعودية، أن تضع مليارات الدولارات في إعادة إعمار سوريا، كما يأمل الأسد، دون ضمانات سياسية، تتيح لهم نفوذاً في سوريا، يخفف من النفوذ الإيراني فيها؟ 

العرب، أو بعضهم، يجربون مجدداً. لكن وصفة التجريب لا تعني "شيكاً على بياض" للأسد. بل تعني الحاجة للحصول على مقابل منه. فهل سيكون قادراً على دفع هذا "الثمن"؟ الجواب سيحكم مصير هذا المسار الجديد، من محاولات "التطبيع" معه، وهو مسار، ليس الأول من نوعه، وقد لا يكون الأخير. لكن النتيجة على الأرجح، ستكون هي ذاتها.