رأي

زيارة بايدن إلى المنطقة: إيران المرتاحة، وتركيا المتضررة

السبت, 23 يوليو - 2022

الطريق- إياد الجعفري 


لماذا انقلب الموقف الإيراني، خلال ثلاثة أسابيع فقط، من تفهم لضرورات العملية العسكرية التركية من الناحية الأمنية، وفق تصريحات وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان في أنقرة، إلى اعتبارها تهديداً للمنطقة بأكملها، وفق تصريحات المرشد، علي خامنئي، في طهران، قبل أيام؟

ولماذا تظافرت مواقف أطراف متصارعة، الأمريكي – الإسرائيلي من جهة، والإيراني – الروسي من جهة أخرى، ضد المسعى التركي للتوسع المحدود في شمال سوريا؟ الجواب أن الأطراف الأربعة، على اختلاف أجنداتها، تراهن على ميليشيا "قوات سورية الديمقراطية – قسد"، ولا تريد لها أن ترتمي في "أحضان" المحور الآخر. ورغم ذلك، تبدو الحصيلة الأولية للتلويح التركي بعمل عسكري في شمال سوريا، لصالح المحور الإيراني – الروسي. ويبدو الفشل الأمريكي في المنطقة، إلى تفاقم. 

إذ جاء "التصعيد" والتمترس الإيراني – الروسي، الذي يستهدف إجهاض العملية العسكرية التركية التي كانت مزمعة، في شمال سوريا، كنتيجة من نتائج زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط، أكثر مما هي نتيجة لقمة طهران. 

فإيران تبدو مرتاحةً أكثر، وتركّز على تهديدات ثانوية تطال نفوذها، من قبيل تمدد محدود للنفوذ الميداني التركي على الرقعة السورية، وتسعى لتحقيق أهداف عَرَضية، من قبيل الحصول على مطار "منغ"، والحلول محل ميليشيا "قسد"، في بعض الجيوب الصغيرة. 

قبل ثلاثة أسابيع، كانت إيران في حالٍ مختلفة تماماً. تترقب زيارة بايدن إلى المنطقة، وتحاول جذب تركيا بعيداً عن أي اصطفافات إقليمية مع الأمريكيين والإسرائيليين، إلى درجة أنها أبدت، على لسان وزير خارجيتها، تفهمها لضرورات العملية العسكرية في شمال سوريا، بالنسبة للأمن التركي. لكن زيارة بايدن مرت "برداً وسلاماً" على إيران. فلم يُولد "ناتو شرق أوسطي"، ولم يتحقق أي اختراق نوعي في العلاقة مع السعودية، فيما ذهبت الإمارات أبعد عن واشنطن، مؤكدةً أنها لا تريد التورط في تحالف ضد إيران، مشيرة إلى عزمها إرسال سفير لبلادها، إلى طهران. 

واقتصرت زيارة بايدن على تأكيدات نظرية على "أمن إسرائيل"، وتأكيدات نظرية أخرى تخص بقاء النفوذ والدور الأمريكي في الشرق الأوسط، كغطاءٍ أمني للحلفاء في الخليج، الذين لا يبدو أنهم اقتنعوا بها. في المقابل، عقد الحليفان الروسي – الإيراني، قمة مضادة في طهران، عبّرت عن تعزيز تحالفٍ متصاعد بين الطرفين، تظهر إحدى ترجماته في شمال سوريا، هذه الأيام، إذ ينسق الحليفان ضد من يُفترض أنه شريك ثالث لهما، حضر القمة، لكنه خرج بنتائج مُخيّبة. فتركيا، التي حاولت وضع قدم هنا، وأخرى هناك، بين الأمريكيين، وبين الحليف الإيراني – الروسي، حصدت معارضة من جميع هذه الأطراف، لعمليتها العسكرية المزمعة، حتى من جانب الإسرائيليين، الذين كانوا قبل أسابيع يعملون جاهدين على تعزيز علاقاتهم مع أنقرة. وهكذا يبدو جلياً، أنّ هناك إجماعاً من جميع الأطراف الفاعلة بسوريا، باستثناء تركيا، على إبقاء خطوط التماس كما هي. 

وفيما تحوم شكوك أكبر حول عزم أنقرة الذهاب قُدماً في عمليتها العسكرية المُعلن عنها منذ نحو شهرين، تبدو طهران أكبر الرابحين من التهديدات التركية، إذ حصلت على تنازلات ميدانية، وإن كانت محدودة، من جانب "قسد"، لصالحها. وقد تؤول بعض المكاسب لصالح نظام الأسد، أيضاً، وفق اتفاق لم تتضح معالمه، أعلن عنه القيادي في الميليشيا، مظلوم عبدي، قبل أيام. كما حصدت موسكو مزيداً من الارتماء "الكردي" في "حضنها". في الوقت ذاته الذي تكون فيه واشنطن قد حققت هدفها بمنع العملية التركية، دون أي جهود، لكنها خسرت المزيد من نفوذها المعنوي على "قسد"، وأشعرت قادة هذه الأخيرة بالمزيد من الحاجة لإيران وروسيا.