رأي

قراءة في مقترحٍ ملغوم لرجل أعمال سوريّ

الاثنين, 25 أبريل - 2022

الطريق- إياد الجعفري 


لا يمكن قراءة ذاك الاقتراح غير الواقعي الذي قدّمه رجل الأعمال السوري المقيم في مصر، خلدون الموقع، عبر صحيفة "تشرين" التابعة للنظام، لتعزيز سيطرة مصرف سورية المركزي على الكتلة النقدية في البلاد، إلا بوصفه رسالة سياسية، لصُنّاع القرار في قمة هرم النظام؛ لأنّ أية قراءة أخرى قد تعني أن رجل الأعمال المشار إليه، يفتقد لحنكة الصناعيين السوريين المعروفة بتصيّد مواطن الجدوى الاقتصادية، والرهان عليها. 

فـ الموقع، الذي يقود ما يُعرف بـ "تجمع رجال الأعمال السوري بمصر"، وفي معرض تعليقه على قرارات مصرف سورية المركزي الأخيرة، بخصوص الإيداع والسحب وتعديل سعر الصرف ورفع نسبة الفائدة، اقترح إلزام

"أصحاب الثروات الكبيرة المتحققة في ظل هذه الأزمة وظروفها، بإيداع جزء من هذه الثروات بالمصارف السورية كودائع وبالليرة السورية ودون أي فوائد مستحقة عليها"، معتبراً أن اقتراحه هذا "سيدعم بالتأكيد قيمة الليرة ويكبر حجم سيطرة المركزي على كتلة نقدية أكبر ويعوض عن أي سحوبات جديدة". 

لكن، الموقع، لم يوضّح كيف سيتم هكذا "إلزام"؟ فهو إن تحقق –لو وُجدت طُرق لتحقيقه- سيكون أشبه بعملية "بلطجة" على رؤوس أموال محلية! لكن، قبل الإيغال في هكذا تفسير، دعنا نضع عدة سطور تحت مصطلح "أثرياء الأزمة"، الذي عنونت "تشرين" بواسطته، تصريحات الموقع، المثيرة للجدل. فهو هنا، يستهدف شريحة محددة من رأس المال المحلي. تلك الشريحة التي يعلم الموقع جيداً، أنها احتكرت السوق السورية، إنتاجاً وتجارةً وخدماتٍ، بوصفها أذرعاً لرموز مقرّبة من النظام، وبضوء أخضر منه. فأسماء من طِينة، وسيم القطان، وسامر فوز، وخضر علي طاهر، وسواهم.. ظهروا ونموا، تحت بصر وسمع ومباركة النظام ذاته. وكثيراً ما أثار الصعود السريع والمفاجئ لهكذا أسماء، الجدل، حول من يقف خلف كل واحدٍ منهم، بحيث بات من المقطوع بصحته، لدى معظم المراقبين، أنهم مجرد أدوات جديدة لرموز النظام، استبدل بهم أدواته القديمة، والتي كان رامي مخلوف، على رأسها، في وقتٍ من الأوقات. 

الرسالة السياسية التي مررها الموقع، عبر صحيفة "رسمية"، تعبّر عن إحباط الرجل الذي كلّفته أجهزة النظام، باجتذاب رأس المال السوري المهاجر إلى مصر، وإقناعه بالعودة. وهو ما فشل فيه الموقع فشلاً ذريعاً. 

في تقرير لـ "العربي الجديد"، يعود إلى حزيران/يونيو الفائت، تنقل الصحيفة عن مصادر من المستثمرين السوريين في مصر، أن النظام كثّف اتصالاته مع بعضهم، عبر رجال أعمال وصناعيين سوريين، لإقناعهم بالعودة. ووفق تلك المصادر، فإن خلدون الموقع ذاته، هو من قاد جهود الإقناع تلك. لكن بعد ذلك التاريخ بثلاثة أشهر فقط، تصاعدت موجة هجرة غير مسبوقة لصناعيين ورجال أعمال سوريين، من سوريا، إلى مصر. أي حصل عكس ما كان ينتظره النظام. وحينها، وتعليقاً على موجة هجرة رأس المال السوري من الداخل إلى مصر، تحديداً، في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وخلال حوار مع وكالة "سبوتنيك" الروسية، حمّل خلدون الموقع حكومة النظام، المسؤولية، داعياً إياها إلى "المعالجة وليس التجميل"، وإلى "التواصل مع الصناعيين السوريين الموجودين في مصر بشكل رسمي ومنظم"، معتبراً أن "حوار الصناعي مع الصناعي لا يعد مجدياً إلا بحضور مباشر من أصحاب القرار". 

تعليقات الموقع تلك، كررها، في حديث مع موقع "هاشتاغ سوريا" الموالي -في مطلع العام الجاري- معبراً عن إحباطه من طريقة تعاطي "صناع القرار" في سوريا، مع متطلبات إقناع رأس المال السوري المهاجر إلى مصر، بالعودة. 

لا يعني ذلك، أن الرجل نفض يده تماماً من "شراكته" مع النظام. فقد نقلت جريدة "الشروق" المصرية، في الشهر الفائت، خبراً عن لقاءٍ أجراه، خلدون الموقع، بصفته رئيساً لـ "تجمع مجلس الأعمال السوري المصري"، مع رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، بغية تشجيع رجال الأعمال المصريين على المشاركة في "عملية إعادة إعمار سورية". 

لكن السؤال: ماذا عن دور رجال الأعمال السوريين؟! وكيف نستطيع إقناع رجل أعمال عربي بالاستثمار في بلدٍ، وهو يرى أبناءَها من المستثمرين يفرّون بما ثقل ثمنه وخف حمله، إلى خارجها!.

الموقع ذاته، ورغم أنه مثّل "التيار الرمادي" من رجال الأعمال السوريين في مصر، منذ العام 2014، قبل أن ينتقل لضفة النظام بصورة شبه كاملة، بعد العام 2017.. لم يعد إلى سوريا! 

والجواب على سبب ذلك، في "بطن" الرسالة التي وجّهها الموقع عبر "تشرين"، والتي أشرنا إليها في بداية هذا المقال.. فسوريا، ليست لأي مستثمر سوريّ. إنها لعَيّنة محددة، لا تتمتع بأي سجل حافل في عالم الصناعة أو التجارة. أسماء مُستجدة، خرجت من "الظلام"، تحت عنوان "الأزمة"، لتأكل الأخضر واليابس في هذا البلد. وأراد الموقع أن يقول للنظام، إن أردت الحفاظ على "قيمة الليرة"، فخُذ من أموال هؤلاء.. فهم في نهاية المطاف، أحجار شطرنجك على رقعة موارد سوريا وفي جيوب شعبها الملتاع من التضخم المفرط. أمّا أن تراهن على عودة من فرّ بأمواله إلى خارج البلاد، أملاً في اقتناص ما تستطيع من تلك الأموال، فهو رهان خائب، وفق ما تثبت تطورات تجربة الموقع ذاته، حتى الآن.