رأي

نظام الطائفة أم طائفة النظام؟

الاثنين, 18 أكتوبر - 2021

الطريق- درويش خليفة


النضال السياسي الذي ساهم في استقلال سوريا لم ينقلها إلى حالة الدولة؛ بسبب صراع طبقات المجتمع وتبني القوى الفاعلة آنذاك السياسة والاقتصاد كحالة تعبوية، من أجل الوصول للحكم وهذا حقٌّ لها، لكن على أن تضع في أولوياتها بناء مؤسسات الدولة، خصوصاً المؤسسة العسكرية التي عانى منها السوريون على مدار سبعة عقود، منذ أول انقلاب عسكري قام به حسني الزعيم في مارس/ آذار 1949.

المستغرب في الحالة السورية تاريخياً، هو تكيُّف المجتمع مع القيادة العسكرية، والرضوخ لطموحها في إدارة الحياة السياسية والمجتمعية، والنزول عند رغبة العسكر في شرعنة تغولهم على الدولة وهم لا يحسِنونَ صُنعاً، مع الإبقاء على البرلمان كحالة تفاعلية تجمع بين المجتمع والقادة السياسيين حتى مارس/ آذار عام 1963، لحظة استيلاء حزب البعث على السلطة بشقيها العسكري والسياسي وبسط سيطرته على المجتمع والدولة؛ الأمر الذي أدى بالديكتاتور الراحل حافظ الأسد لتطييف الجيش وبعثنة المجتمع، عبر تركيبة معقدة يصعُب فهمها وتفكيك خيوطها المتشابكة.

الأكثر وضوحاً، أنّ الأسد الأب كان معجباً بهذه الوصفة المحلية، مما جعله يرسخها في سياساته الخارجية عبر بناء شبكة من العلاقات الدولية، بحيث اقتصرت النشرات الإخبارية في القناة الحكومية الرسمية على " تهنئة الرئيس باستقلال دولة ما... واستقبال ممثلين عن الحزب ... على الجانب الآخر من الكوكب"، دون التطرق لحياة السوريين والعمل على نمو البلاد وازدهارها. وعندما يتم افتتاح مخبز أو مدرسة أو حتى تعبيد لشارعٍ فرعي، تستنفر السلطات المحلية وتراها فجأة بين الجموع المحتشدة تصفق وتهتف لحياة القائد، وكأنه يمنُّ عليهم من ماله الخاص بمكرمةٍ لا مثيل لها!

التوحُّش الذي أديرت من خلاله سوريا في عهد الأسدين حافظ وبشار، لا يمكن وصفه بمقال أو دراسة أو حتى كتاب، فالأمر تعدّى حدود الوصف، حتى إنّ أشد الأوتوقراطيين يشق عليه فهمه.

عقب موت حافظ الأسد وتوريث الحكم لابنه بشار، تكيّف السوريون أيضاً مع الحالة الجديدة، ولكن هذه المرة على مضضٍ شديد، كما أنّ البعض منهم أعزو الأمر إلى أنه شاب متحرر، على أمل الانتقال إلى حياة أفضل تحمل في طياتها هوامش من الحريات والممارسة السياسية والعمل المجتمعي التطوعي بعيداً عن وصاية السلطة، وكما في كلِّ مرة استمر النظام بتصدير خيبات الأمل لمواطنيه، بعد اعتقاله لنشطاء لجان أحياء المجتمع المدني وربيع دمشق، وإغلاقه منتدى جمال الأتاسي، واستبداله بالكروش القديمة التي كانت في عهد أبيه، كروشاً جديدة لملئها مرَّة أخرى، وبذلك تكون حصناً حصين له ولأفراد حكمه.

رغم صبر السوريين اللامتناهي على النظام، إلا أنّ الأسرة الحاكمة كانت تعيش حالة من الصراع حول كيفية نقل الملكيَّة الاقتصادية من عائلة والدة الرئيس (آل مخلوف العلوية) إلى عائلة زوجته (آل الأخرس السنية). 

وبطبيعة الحال الضحايا هم السوريون دائماً بكلِّ انتماءاتهم العرقية والطائفية والسياسية، إلى أن وصل قطار الربيع العربي إلى سوريا ومعه أهلت البشائر لمناهضي حكم الأسد؛ على أمل التغيير الحتمي وإعادة الثقة في وطنيتهم التي سلبها النظام وخصصها لمؤيديه فقط.

اللافت في الشهور الأولى من الثورة السورية، هو حالة التضامن والتكافل بين روادها بغض النظر عن العرق والدين والاتجاهات الفكرية والسياسية، قبل أن تتسلق عليها القوى السياسية الأيديولوجية وتخصِّصها لمصالحها، في تكرار لتجربة النظام من حيث الاحتكار والتسلطية واتباع سياسة الدوائر المقربة (الأعضاء العاملون)!

وبعد أن انتقل الصراع بين النظام والشعب إلى مرحلة التسليح والعسكرة، وفتح الأسد الحدود أمام قوافل الحجاج الطائفين لمساندته في قتل المتظاهرين واعتقال الكثيرين منهم، أصبحت المواجهة مشروعة ولم يبقَ بالإمكان إنتاج مزيد من أدوات القوة الناعمة وفضح جرائمه على شاشات التلفزة وأمام المنظمات والهيئات الحقوقية والأممية. 

وفي غضون ذلك، اعتمد الأسد على تصدير خطاب يداعب مشاعر الغرب، بحمايته للأقليات العرقية والمذهبية، بما في ذلك طائفته، وبأنّ رحيله عن السلطة سيؤدي بالراديكاليين من الثوار لسحق هذه الفئات المجتمعية، الأمر الذي أدّى لتسليح العلويين في حالة تماهٍ مع خطاب الأسد، رغم معرفتهم المسبقة بخداعه وعدم الإيفاء بوعوده لهم، ولكنَّ بعضهم اعتبرها "معركة وجود"، لا تحتمل طرفي نقيض.

سنوات الثورة وما تلاها من صراعات بينية سورية، سواء بين معارضي النظام أو بين مواليه، لم تتوقف، حتى سئم النشطاء والمدنيون من الجانبين.

 وفي الحقيقة اعتدنا من جمهور الثورة أن يسارعوا لرفض أي ممارسات تعيب ثورتهم، لكن أن يصل الأمر بمن هم تحت سلطة الأسد، فهو مستحيل أو شبه انتحار لمجرد التفكير بكتابة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهذا ما جعل البث المباشر على الفيس بوك للناشطة والشاعرة العلوية "سوزي محمد علي" ينتشر على نطاق واسع، حيث هاجمت من خلاله عائلة الأسد وأقاربه، بمن فيهم رامي مخلوف ابن خال الرئيس الوريث، ذلك بعد نشر مقطع فيديو لـ علي مخلوف نجل رامي وهو يقود سيارة فاخرة من نوع "فراري 488 سبايدر" في شوارع لوس أنجلوس الأمريكية، برفقة عارضة الأزياء والممثلة الإسرائيلية ميشيل عيدان. في الوقت الذي صار فيه العديد من السوريين، ومن بينهم أبناء طائفة الأسد، يأكلون من حاويات القمامة؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تسبب فيها نظام الأسد للسوريين كافة.